الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون

                                                          الإشارة إلى الذين يصدون عن سبيل الله تعالى ويبغونها عوجا ويريدون أهلها معوجين غير سائرين في الجادة، والإشارة إلى الموصوفين بصفات تدل على أن هذه الصفات سبب لما يقومون به من تحد لله تعالى، ولذا قال سبحانه: لم يكونوا معجزين في الأرض أي: لم يكونوا معجزين لله عن أن ينزل بهم ما أنزل بمن سبقهم بجوائح ماحقة كخسف في الأرض أو رجفة أو ريح صرصر عاتية أو حرب مجلية مخزية، والمعنى أنهم لم يكونوا بحالهم وكينونتهم معجزين الله في الدنيا، فالله هو القهار والغالب على كل شيء فلا ولي لهم يقاوم إرادة الله تعالى فيهم، ولذا قال تعالى: وما كان لهم من دون الله من أولياء أي: ما كان لهم أولياء يعاندون الله تعالى فيما يريد فيهم ويقاومون إرادته، وهذا ما يدل عليه قوله تعالى: من دون الله فإنها تدل على المضادة لما يريد الله سبحانه وتعالى فهم لا يستطيعون نصرتهم ولا منع العذاب عنهم، قالوا بمعنى النصر المانع، وكلمة (من) في قوله تعالى: من أولياء لتعميم النفي أي: ما كان لهم أي ولي من الأولياء. [ ص: 3693 ]

                                                          هذا في الدنيا إذ حسبوا أنه لا رقيب عليهم ولا دافع يدفعهم وهم مسلطون، فيبين الله تعالى أنه قاهر فوقهم. أما في الآخرة فقال الله تعالى عن حالهم فيها يضاعف لهم العذاب أي: يكرر العذاب عليهم فيكون ضعفين أو أضعافا; لأنهم أشركوا بالله عبادة الأوثان، ولأنهم آذوا المؤمنين وحاولوا صدهم عن سبيل الله، ولأنهم طغوا وبغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد، ولأنهم ظلموا الناس وفتنوهم في دينهم.

                                                          وما بعثهم على تلك الآثام التي ضاعفت لهم العذاب إلا أنهم لم يستمعوا إلى الحق ولم يبصروا الآيات، ولذا قال تعالى: ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ذكر الله تعالى في هذا النص الكريم السبب في هذه المآثم فذكر أنه أمران:

                                                          الأمر الأول: أنهم لا يستطيعون السمع، وليس المراد أنهم صم حقيقة، بل شبهت حالهم بحال الأصم الذي لا يستطيع السمع; ذلك لأنهم لا يتدبرون ما يسمعون من دعوة إلى الحق وآيات تتلى فيها الإعجاز فكانوا كأنهم لا يسمعون، وقد ذكرهم الله في مواضع أخرى ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون

                                                          الأمر الثاني: قوله تعالى: وما كانوا يبصرون أي: ينظرون نظرة تأمل للكون ويدركون أسراره، والجمع بين الماضي والمستقبل في قوله تعالى: وما كانوا يبصرون للدلالة على استمرار غفلتهم عن الآيات وتجددها وقتا بعد آخر، فكلمة " كان " تدل على الماضي وكلمة يبصرون تدل على المستقبل، كذلك قوله تعالى: ما كانوا يستطيعون السمع والله أعلم بمراده في كتابه.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية