ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين
استغفروا ربكم أي: اطلبوا الغفران، لأن تعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئا، وعبر بـ " ربكم " للإشارة إلى ما يبعثهم على عبادته، وهو أنه الذي خلقهم وربهم ودبر أمورهم بحكمته وإرادته.
ويبين سبحانه وهو ذاته مما يوجب العبادة فقال تعالى: ما يترتب على الاستغفار، يرسل السماء عليكم مدرارا المراد المطر، وعبر عنه بمكان نزوله من قبيل (إطلاق المحل وإرادة الحال)، ومدرارا أي: كثيرا، ينبت به زرعكم ويكون قوام حياتكم، وفي ذلك الخير فائدتان:
الفائدة الأولى: أن القرب إلى الله وعبادته الخالصة يبسط الله بهما الرزق، كما قال تعالى: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون
الفائدة الثانية: تذكيرهم بنعم الله تعالى عليهم وهى توجب أن يؤمنوا بدل أن يشركوا ويقول سبحانه على لسان نبيه هود ويزدكم قوة إلى قوتكم أي: يزيدكم قوة مضمومة إلى قوتكم، فشكر النعمة يزيدها وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد [ ص: 3718 ] .
فالقوة نعمة فاشكروها تزدادوا قوة إلى قوتكم. وينهاهم عن الفساد والإجرام بهذه القوة التي إن لم تشكر كانت سببا للإجرام، ولذا قال لهم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تتولوا مجرمين أي: لا تتولوا حال كونكم بهذه القوة فتكونوا قوما مجرمين.
وقد أجابوا هذه الدعوة الرشيدة الحبيبة الرقيقة القوية العميقة بالرفض القاطع فطالبوا بعد الرفض بالبينة، أي: الدليل الملزم، وكان هذا غريبا بعد الرفض كالقاضي الذي يرفض الدعوى ثم يطالب بالدليل.