وفي وقت هذا الحرص الشديد على منع يوسف من القصص على إخوته حتى لا يثير حسدهم، بشره بأن الله اجتباه لمكانة عظيمة، فقال مبشرا:
وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم
الاجتباء افتعال من " جبى "، وهو الجمع للنفس، فمعنى اجتباك أي: جباك لنفسه، واختارك سبحانه وتعالى، أي: لتكون خالصا لله تعالى، وكذلك الإشارة إلى ما تضمنته الرؤيا، أي: كهذه الرؤيا التي سجدت لك فيها الكواكب والشمس والقمر، يختارك الله تعالى لتكون نبيه ويعلمك من تأويل الأحاديث أي: معرفة مآل الأحاديث في الرؤيا، وفي الرؤية، فيعرف صادقها وكاذبها، ويتم نعمته عليك بالنبوة والملك والسلطان العادل كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم إذ جعله خليله، وصفيه وحبيبه، وإسحاق أي: وكما أتمها على إسحاق بالنبوة وحباه من ذريته النبيين، وآل يعقوب هم إخوته وأسرته، وعلى رأسها أبواه. [ ص: 3800 ]
وقد صحت نبوءة يعقوب التي فهمها من الرؤيا الصادقة، فقد أجلس أسرته على عرش مصر، كما تبين من آخر القصة، وسنذكره إن شاء الله تعالى.
* * *