اللقاء
ألقى الإخوة أخاهم في الجب، ثم كذبوا على أبيهم وصاروا لا يعلمون من أمره شيئا، وما كان يجول بخاطرهم أنهم سيلقونه ملكا حاكما، يمدون أيديهم طالبين منه العون، ولكن ما لم يكونوا يتصورونه كان أمرا واقعا رأوه، ولم يعرفوه; لأنهم تركوه غلاما صغيرا، ولكنه عرفهم، وهذا قوله تعالى: وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون
ولقد صدق بهذا اللقاء إلهام الله تعالى في وحيه إذ قال تعالى: وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون وقوله تعالى: وهم له منكرون معناه أنهم لم يعرفوه، والنفي مؤكد، بكلمة (هم)، وبالوصف، فحالهم حال إنكار مؤكد وذلك لطول العهد، وتركهم له وهو غلام، وقد صار رجلا مكتملا، وليوهمهم أنه هلك، والفارقة الكبيرة بين حاله إذ رموه في غياهب الجب، وحاله وهو جالس على عرش مصر، أو قريب منه، لذا لم يعرفوه.
وقد روى الكاتبون في قصص الأنبياء أنه صار وزير الملك، وجعل على خزائن الأرض وأقام العدل، والعدل ذاته فيه نماء، واجتهد في تنمية الثروة المصرية، فأكثر من الزراعات، وضبط الثمرات والغلات وادخر ما ادخر لسني الجدب على النحو الذي شرعه في تفسير الرؤيا، ولما جاء الجدب، وكان يعلم ذلك بتعليم من الله، عم القحط مصر، وتوجه الناس إليه فباعها بالدراهم والدنانير [ ص: 3837 ] أولا، ثم باعوا حليهم وجواهرهم ثانيا، ثم باعوا أنفسهم ثالثا، ولكن نبي الله أعتقهم بتفويض من الملك.
وقد وصل القحط حيث تقيم أسرة نبي الله تعالى يعقوب فأرسل ولده يمتارون من مصر التي كانت وحدها بفضل تعليم الله تعالى لابنه هي التي يمكن أن تكون فيها الميرة.