بعد ذلك بين الله تعالى جزاءه، فقال:
لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق .
ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أن لهم عذابين، أولهما عذاب الحياة الدنيا، والثاني عذاب الآخرة، ليس لهم من الله من واق.
أما عذاب الدنيا، فإنه واقع في هذه الحياة، وإن لم يكن هو الأشق، وعذاب الدنيا يبتدئ من ذات أنفسهم، وهو ضلال الفكر واضطرابه وعدم استقامة أنفسهم، فإن استقامة العقل والنفس نعمة واطمئنان واستقرار وضد ذلك عذاب، لا ريب فيه، وعذاب الدنيا باللجاجة في الباطل، والبراهين ساطعة، والأدلة قائمة، ثم من عذاب الدنيا الخزيان والذل، وضرب الذلة، ومن عذاب الدنيا قتلهم بسيف الحق، كما كان في بدر والأحزاب، بل أحد الذين رجعوا فيها من الغنيمة بالإياب، وقد يكون عذاب الدنيا بآية من آيه.
أما عذاب الآخرة فهو أشق من عذاب الدنيا، ويواجهون الله، وما لهم من الله من واق فالله لا ينظر إليهم ولا يكلمهم، ويبدو لهم جهلهم، وضلالهم، ثم بعد ذلك جهنم التي جعلها مثوى الكافرين، و(من) في قوله: من واق لاستغراق النفي، أي ما لهم واق من عذاب الله واق، ما لهم من شفيع ولا نصير، بل إنهم يتقدمون إليه سبحانه متناولين كتابهم بشمالهم، اللهم قنا شر ذلك اليوم.
* * *