وقد ذكر سبحانه القلوب المظلمة، فقال عز من قائل: الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد .
صدر سبحانه الجملة التي فيها كمال سلطان الله تعالى في الوجود بلفظ الجلالة، لتربية المهابة في نفس القارئ، ولأن ذلك يتلاقى مع سلطان الله الكامل، و له ما في السماوات وما في الأرض للدلالة على ملكيته لكل ما في السماوات، وتكرار ما في للدلالة على كمال استغراق الملكية له سبحانه وتعالى، وهو على كل شيء قدير، مالك كل شيء، وذكر سبحانه ملكيته لما في السماء والأرض وذلك يقتضي ملكيته لهما، لأن ملكية ما يشتملان عليه يقتضي - لا محالة - ملكيتهما، إذ ملكية المظروف تقتضي ملكية الظرف، وإن الملكية الكاملة لهذا الوجود كله بما فيه من أجرام وأحياء عاقلة وغير عاقلة يتضمن أنه يملك الأنداد، وأنها وعبادها في قبضته سبحانه العليم بكل شيء، وفي ذلك برهان قاطع أنها غير جديرة بالعبادة؛ ولذا قال سبحانه وتعالى بعد ذكر سلطان الله تعالى في الوجود [ ص: 3983 ] كله، وأنه لا سلطان لغيره ذكر بعض مقتضياته، وهو كفر من يعبد الأوثان، واستحقاقه للعذاب؛ ولذا قال تعالى: وويل للكافرين من عذاب شديد الويل: الهلاك، وقال هي كلمة تقال للعذاب والهلاك الزجاج: من عذاب شديد في ذاته، وفي هذا إنذار ووعيد، والمعنى هلاك لهم من عذاب شديد.
وكأن المعنى كما يقول يولولون من عذاب شديد، ويصيحون قائلين يا ويلاه. الزمخشري:
وننبه هنا إلى أمرين:
أولهما: أن ذكر الويل ينزل بالكافرين، هو في مقابل الذين يسلكون صراط العزيز الحميد، من حيث إنهم يكونون في عزة بعزته سبحانه وتعالى، وعاقبتهم محمودة بسلوكهم طريقه المحمود، أما الذين لا يسلكون الطريق ويخالفون مقتضى الملكية الثابتة لله تعالى في السماوات والأرض ومن فيهن، فإنهم يكونون في ويل من عذاب شديد.
وثانيهما: الله مالك كل شيء، حتى لقد قرر الفقهاء أن ملكية الناس للأشياء ملكية نسبية وليست ملكية حقيقية؛ لأن المالك في الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى.