ولقد أمر الله تعالى نبيه أن ينذر الناس بهذا اليوم الذي ذكر فزع الناس فيه فقال تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=28760_30351_31037_32026_34513_28985nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل .
الكافر مادي لا يؤمن إلا بما يرى ويحس، فما لم يحسه لا يؤمن به، وليس عنده نفاذ بصيرة يعي به ما لم يدرك وما لم يره؛ ولذا كان من أوصاف أهل الإيمان أنهم يؤمنون بالغيب وهم بالآخرة هم يوقنون، يرون الناس يموتون ويحيون، فيعلمون أن الحياة لغاية وأن الموت ابتداء نهاية.
[ ص: 4051 ] ولذا كان أول إنذار هو الإنذار بالعذاب الأليم في يوم القيامة، وهذا قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب الإنذار: التخويف، وهو يتعدى إلى مفعولين الأول (الناس) ، والثاني (يوم) ، والإنذار متجه لما يجري في هذا اليوم من حال تقشعر من هولها الأبدان، إذ تكون أبصارهم فيها شاخصة خوف العذاب الأليم الذي هو في ذاته هول أكبر، ولكن جعل التخويف لليوم من إطلاق اسم المحل وإرادة الحال، وإنه لشديد تضطرب له نفوس أهل النار
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب الفاء هنا لبيان أن ما قبلها سبب لما بعدها فما فيه من هول شديد وما فيه من جحيم
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا يكون سببا لأن يطلبوا الرجعة إلى الدنيا، وقد قالوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44أخرنا إلى أجل قريب إلى زمن قليل، وعبر عنه بالقريب لأنه قريب ما بين طرفيه أوله ومنتهاه، وهذا كقولهم فيما يحكي الله تعالى عنهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون وكقولهم فيما حكى سبحانه عنهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44نجب دعوتك وهي دعوة التوحيد، وألا يشركوا بالله شيئا وما جاء به القرآن وغيره من كتب السماء، ومن شرائع،
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44ونتبع الرسل أي لا نستكبر عليهم ولا نتعالى ونتسامى عليهم، بل لنكون لهم تبعا.
فيقول الملائكة بأمر الله تعالى مبكتا مذكرا لهم كفرهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44أولم تكونوا أقسمتم (الواو) عاطفة على ما قبلها، والهمزة للاستفهام الإنكاري الذي فيه إنكار الواقع، والاستفهام داخل على النفي ونفي النفي إثبات على معنى التوبيخ، والمعنى لقد أقسمتم من قبل مغترين على الله تعالى جاهلين لأنفسكم، ولمجرى الحياة
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44ما لكم من زوال أي ليس لكم أي زوال، وإنهم في الحقيقة كما يظهر من مجرى
[ ص: 4052 ] أمورهم أنهم كانوا لا ينكرون الموت، ولكن ينكرون الحياة بعد الموت ويقولون:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد
ولكن لأنهم عتاة غاشمون لا يرعون إلا ولا ذمة، وقد اغتروا بالحياة الدنيا وغرهم بالله الغرور، يعملون كأنهم لا يموتون ولا يفنون، وأنهم في الدنيا خالدون.
وقد فسر بعض العلماء أن المراد من الزوال المنفي أنهم لا يزولون ثم يبعثون، وهذا تفسير
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد تلميذ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ترجمان القرآن، كما سماه
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود، ويكون المعنى على هذا التفسير: ما لكم من زوال من هذه الدنيا تنتقلون من بعده إلى الآخرة.
وَلَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ أَنْ يُنْذِرَ النَّاسَ بِهَذَا الْيَوْمِ الَّذِي ذَكَرَ فَزَعَ النَّاسِ فِيهِ فَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=28760_30351_31037_32026_34513_28985nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ .
الْكَافِرُ مَادِّيٌّ لَا يُؤْمِنُ إِلَّا بِمَا يَرَى وَيُحِسُّ، فَمَا لَمْ يُحِسَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِهِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ نَفَاذُ بَصِيرَةٍ يَعِي بِهِ مَا لَمْ يُدْرِكْ وَمَا لَمْ يُرِهِ؛ وَلِذَا كَانَ مِنْ أَوْصَافِ أَهْلِ الْإِيمَانِ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، يَرَوْنَ النَّاسَ يَمُوتُونَ وَيَحْيَوْنَ، فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الْحَيَاةَ لِغَايَةٍ وَأَنَّ الْمَوْتَ ابْتِدَاءُ نِهَايَةٍ.
[ ص: 4051 ] وَلِذَا كَانَ أَوَّلُ إِنْذَارٍ هُوَ الْإِنْذَارُ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ الْإِنْذَارُ: التَّخْوِيفُ، وَهُوَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ الْأَوَّلِ (النَّاسَ) ، وَالثَّانِي (يَوْمَ) ، وَالْإِنْذَارُ مُتَّجِهٌ لِمَا يَجْرِي فِي هَذَا الْيَوْمِ مِنْ حَالٍ تَقْشَعِرُّ مِنْ هَوْلِهَا الْأَبْدَانُ، إِذْ تَكُونُ أَبْصَارُهُمْ فِيهَا شَاخِصَةً خَوْفَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ الَّذِي هُوَ فِي ذَاتِهِ هَوْلٌ أَكْبَرُ، وَلَكِنَّ جَعْلَ التَّخْوِيفِ لِلْيَوْمِ مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِّ، وَإِنَّهُ لِشَدِيدٌ تَضْطَرِبُ لَهُ نُفُوسُ أَهْلِ النَّارِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ الْفَاءُ هُنَا لِبَيَانِ أَنَّ مَا قَبْلَهَا سَبَبٌ لِمَا بَعْدَهَا فَمَا فِيهِ مِنْ هَوْلٍ شَدِيدٍ وَمَا فِيهِ مِنْ جَحِيمٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=71وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا يَكُونُ سَبَبًا لِأَنْ يَطْلُبُوا الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا، وَقَدْ قَالُوا:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ إِلَى زَمَنٍ قَلِيلٍ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْقَرِيبِ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ أَوَّلِهِ وَمُنْتَهَاهُ، وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ فِيمَا يَحْكِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=12رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ وَكَقَوْلِهِمْ فِيمَا حَكَى سُبْحَانَهُ عَنْهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَهِيَ دَعْوَةُ التَّوْحِيدِ، وَأَلَّا يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَغَيْرُهُ مِنْ كُتُبِ السَّمَاءِ، وَمِنْ شَرَائِعَ،
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَيْ لَا نَسْتَكْبِرُ عَلَيْهِمْ وَلَا نَتَعَالَى وَنَتَسَامَى عَلَيْهِمْ، بَلْ لِنَكُونَ لَهُمْ تَبَعًا.
فَيَقُولُ الْمَلَائِكَةُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى مُبَكِّتًا مُذَكِّرًا لَهُمْ كُفْرَهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ (الْوَاوُ) عَاطِفَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا، وَالْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ الَّذِي فِيهِ إِنْكَارُ الْوَاقِعِ، وَالِاسْتِفْهَامُ دَاخِلٌ عَلَى النَّفْيِ وَنَفْيُ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ عَلَى مَعْنَى التَّوْبِيخِ، وَالْمَعْنَى لَقَدْ أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مُغْتَرِّينَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى جَاهِلِينَ لِأَنْفُسِكُمْ، وَلِمَجْرَى الْحَيَاةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=44مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ أَيْ لَيْسَ لَكُمْ أَيُّ زَوَالٍ، وَإِنَّهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ مَجْرَى
[ ص: 4052 ] أُمُورِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُنْكِرُونَ الْمَوْتَ، وَلَكِنْ يُنْكِرُونَ الْحَيَاةَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَقُولُونَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=5أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ
وَلَكِنْ لِأَنَّهُمْ عُتَاةٌ غَاشِمُونَ لَا يَرْعَوْنَ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً، وَقَدِ اغْتَرُّوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَغَرَّهُمْ بِاللَّهِ الْغُرُورُ، يَعْمَلُونَ كَأَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ وَلَا يَفْنَوْنَ، وَأَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا خَالِدُونَ.
وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الزَّوَالِ الْمَنْفِيِّ أَنَّهُمْ لَا يَزُولُونَ ثُمَّ يُبْعَثُونَ، وَهَذَا تَفْسِيرُ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ تِلْمِيذِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ تَرْجُمَانِ الْقُرْآنِ، كَمَا سَمَّاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ: مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا تَنْتَقِلُونَ مِنْ بَعْدِهِ إِلَى الْآخِرَةِ.