والحال الثانية: وهي مما ينزل بهم آحادا كما جمعوا جميعا وهي قوله تعالى: سرابيلهم من قطران ، والسرابيل: جمع سربال، وهو القميص الذي يلاصق أجسامهم، ويسبغها، ولا يترك فراغا بينه وبينها، والقطران هو ما استحلب من بعض الأشجار، وتهنأ به الإبل دواء لها من الجرب، ومن شأنه أنه يشتعل بالنار، [ ص: 4058 ] فإذا بقمصانهم المتصلة بأجسامهم اللاصقة بها نيران مشتعلة، فالنار تحوطهم من كل ناحية في أجسامهم.
ولكن القمصان أو السرابيل لا تغطي الوجوه عادة فتجيء الحال الثالثة، وهي قوله تعالى: وتغشى وجوههم النار أي النار تستر وجوههم كما ستر القطران الملتهب أجسامهم.
وكان ذلك جزاء، والإخبار به تبليغا؛ ولذا قال تعالى:
ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب
هذا البيان من قوله تعالى: فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إلى بيان ذلك العذاب الذي تعم فيه النيران أجسامهم، إنما هو:
أولا: لبيان العدالة الإلهية.
وثانيا: ليبلغوا بالفعل وجزائه، والخير والشر، وما يجب عليهم.
وثالثا: للإنذار لكي يعلم أهل الشر مآلهم.
ورابعا: ليعلموا أن الله هو الواحد القهار، وأن لا شيء له صفة الألوهية إلا الله تعالى.
وخامسا: ليتذكر أهل الألباب المدركين المؤمنين، فهو ذكر لهم، وإنذار لغيرهم.