وإن الله تعالى يبين أن الذين كفروا بهذا القرآن الكريم سيأتي الزمن الذي يودون فيه لو كانوا مسلمين، فيقول تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=30351_28986nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=2ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .
يقول العلماء في (رب) : إنها لا تتصل إلا بالاسم، فإذا دخلت على الفعل توسطت ما، وربما هي رب المخففة، وقد قرئت بضم الراء وبفتحها، وهما لغتان فيها.
وقالوا: إن (رب) تكون داخلة على الفعل الماضي، ولكنها هنا دخلت على الفعل المضارع لتأكد وقوعه فكان كفعل الماضي في معناه عند الله تعالى، وإن معنى المضي متحقق لفظا في (كانوا) ، وربما تكون للتقليل وقد تستعمل للتكثير، والمعنى أنه ربما يود الذين كفروا في أوقات كثيرة لو كانوا مسلمين، وما
[ ص: 4066 ] هذه الأوقات؟ قيل: هي الأوقات التي تعلو فيها كلمة الحق، وتصير الأرض العربية للمؤمنين فيها الكلمة العليا، ويكون لهم السلطان والقوة، فيتمنى المشركون الذين كفروا بالله وبالقرآن أن لو كانوا مسلمين، فإذا كانوا يغترون الآن بقوتهم، وعزتهم، ويستضعفون المؤمنين، فربما يكون العكس، ويودون لو كانوا مسلمين، وإنهم في المنزلة عند الله ورسوله ليسوا سواء، فلا يستوي من أسلم وفي المسلمين ضعف، ومن أسلم وفي المسلمين قوة، ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=10لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة
هذا إذا قلنا: إن الوقت الذي يكون فيه هذا الود وذاك التمني هو قوة المسلمين، وإن قلنا: إن الوقت هو يوم يرون العذاب، فإن المعنى أنهم يتمنون أن لو كانوا مسلمين لتكون لهم النجاة، حيث لا منجاة إلا بأن يكونوا مسلمين.
وقد أشار الله تعالى بهذه الآية إلى أن المشركين - وإن استطالوا بفضل قوتهم الآن فإنهم سيتمنون أن لو كان مسلمين في المستقبل فلا يأسى النبي عليهم، والعاقبة للمتقين، ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=3ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتمنى لو يؤمنون، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=3لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ولكن الله تعالى أشار إلى نبيه أنه ليس عليه ألا يؤمنوا ما دام قد بلغ رسالة ربه، ولذا قال:
وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِهَذَا الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ سَيَأْتِي الزَّمَنُ الَّذِي يَوَدُّونَ فِيهِ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، فَيَقُولُ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=30351_28986nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=2رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ .
يَقُولُ الْعُلَمَاءُ فِي (رُبَّ) : إِنَّهَا لَا تَتَّصِلُ إِلَّا بِالِاسْمِ، فَإِذَا دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ تَوَسَّطَتْ مَا، وَرُبَمَا هِيَ رُبَ الْمُخَفَّفَةُ، وَقَدْ قُرِئَتْ بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِفَتْحِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ فِيهَا.
وَقَالُوا: إِنَّ (رُبَّ) تَكُونُ دَاخِلَةً عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي، وَلَكِنَّهَا هُنَا دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ لِتَأَكُّدِ وُقُوعِهِ فَكَانَ كَفِعْلِ الْمَاضِي فِي مَعْنَاهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّ مَعْنَى الْمُضِيِّ مُتَحَقِّقٌ لَفْظًا فِي (كَانُوا) ، وَرُبَمَا تَكُونُ لِلتَّقْلِيلِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّكْثِيرِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ رُبَّمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي أَوْقَاتٍ كَثِيرَةٍ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، وَمَا
[ ص: 4066 ] هَذِهِ الْأَوْقَاتُ؟ قِيلَ: هِيَ الْأَوْقَاتُ الَّتِي تَعْلُو فِيهَا كَلِمَةُ الْحَقِّ، وَتَصِيرُ الْأَرْضُ الْعَرَبِيَّةُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِيهَا الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا، وَيَكُونُ لَهُمُ السُّلْطَانُ وَالْقُوَّةُ، فَيَتَمَنَّى الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِالْقُرْآنِ أَنْ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، فَإِذَا كَانُوا يَغْتَرُّونَ الْآنَ بِقُوَّتِهِمْ، وَعِزَّتِهِمْ، وَيَسْتَضْعِفُونَ الْمُؤْمِنِينَ، فَرُبَّمَا يَكُونُ الْعَكْسُ، وَيَوَدُّونَ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، وَإِنَّهُمْ فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَيْسُوا سَوَاءً، فَلَا يَسْتَوِي مَنْ أَسْلَمَ وَفِي الْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ، وَمَنْ أَسْلَمَ وَفِي الْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=10لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً
هَذَا إِذَا قُلْنَا: إِنَّ الْوَقْتَ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ هَذَا الْوُدُّ وَذَاكَ التَّمَنِّي هُوَ قُوَّةُ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْوَقْتَ هُوَ يَوْمَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ، فَإِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ أَنْ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ لِتَكُونَ لَهُمُ النَّجَاةُ، حَيْثُ لَا مَنْجَاةَ إِلَّا بِأَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ.
وَقَدْ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَةِ إِلَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ - وَإِنِ اسْتَطَالُوا بِفَضْلِ قُوَّتِهِمُ الْآنَ فَإِنَّهُمْ سَيَتَمَنَّوْنَ أَنْ لَوْ كَانَ مُسْلِمِينَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَأْسَى النَّبِيُّ عَلَيْهِمْ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=3ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَمَنَّى لَوْ يُؤْمِنُونَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=3لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَشَارَ إِلَى نَبِيِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَلَّا يُؤْمِنُوا مَا دَامَ قَدْ بَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ، وَلِذَا قَالَ: