بدائع الخلق والتكوين
قال الله تعالى:
ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننـزله إلا بقدر معلوم وأرسلنا الرياح لواقح فأنـزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم
[ ص: 4076 ] بعد أن ذكر سبحانه حال الجحود الذي استمكن في قلوب المشركين حتى صاروا بحال يكذبون لها حسهم، وأنهم إذ كذبوا القرآن عنادا وجحودا، فإنهم يكذبون كل شيء مهما يكن مرئيا رأي العين، حتى إنهم لا يقتنعون بما يراه حسهم، فلو عرجوا إلى السماء لأنكروا وقالوا: إن أعيننا سكرت، وصرنا حيارى كالسكارى، وإن محمدا خيل إلينا ما لم نره.
بعد هذا أخذ يبين سبحانه عجائب التكوين في خلقه، حتى إن هذه المخلوقات تعلن بالبداهة عن منشئ الكون، وأنهم إذ ضلوا عن هذا، فإن شيئا لا يقنعهم من بعد هذا الضلال.
قال تعالى: ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين جعلنا بمعنى صيرناها بعد أن أنشأناها وأبدعناها على غير مثال سبق، و (البروج) جمع برج، وهو القصر والمنزل، والبروج هنا منازل النجوم، أي أن كل نجم في منزله الذي أحله الله تعالى فيه، وارتبط بغيره عبر هذا الوجود، بحيث يكون كل نجم في مكانه ومداره لا يحول عنه ولا يحور، وكأنها مبنية بناء محكما لا فروج فيها وما لها من فروج فالارتباط بينها ثابت بما يسمونه الجاذبية التي تشد بعضها ببعض، كما قال تعالى: ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين أي أنها في منظرها وإحكامها زينة في ذاتها، وجعلها الله تعالى بهجة للأعين، كما قال في آية أخرى: ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وكما قال تعالى في سورة «ق»: أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج