[ ص: 4160 ] العبرة بمن كانوا قبلهم
قال تعالى:
قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين
يضرب الله سبحانه وتعالى لنبيه الكريم الأمثال بحال المشركين الذين كفروا بالرسل، ودبروا التدبيرات ليمنعوا الرسل من تبليغ رسالات ربهم، كما يبين للمشركين الذين يعاندون النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويكفرون بالله ويدبرون التدابير لمنع الدعوة من أن تسري، حتى أنهم يسدون السبل على مكة فيلتقون بالركبان، ويصدونهم عن سبيل الله، فقال تعالى:
قد مكر الذين من قبلهم أي: دبروا الأمور لنقض الدعوة، وأحكموا تدبيرهم على الناس، وسدوا كل مسالك الهداية ليضلوهم وكادوا لأهل الإيمان كيدا، ظنوا معه أنهم قضوا على الدعوة، واقتلعوها، ولكن الله- تعالى- أفسد عليهم تدبيرهم ورد كيدهم في نحورهم، وأن ما بنوه دمره الله تعالى، وللكافرين أمثالها، فقال تعالى: فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم
[ ص: 4161 ] وإن هذا الكلام فيه استعارة تمثيلية؛ إذ شبه الله- تعالى- حالهم بحال من بنوا صرحا وشيدوه، وأقاموا قواعده على عمد وأسطوانات، وأحكموا بنيانه حاسبين أنه يبقى على مدى الأزمان، ولكن أتى الله تعالى بنيانهم بأمره من قواعدها، فتداعت وانهارت فصارت هباء منبثا، فخر عليهم السقف من فوقهم، وماتوا تحت أنقاضه، وبذلك كان ما بنوه للحياة ومتعها، وتدبير الأمور للحق صار عليهم وبالا، وسببا لهلاكهم وأتاهم العذاب به؛ ولذا قال تعالى: وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون أي: أتاهم من المكان الذي يشعرون أن فيه مأمنهم فكان فيه مهلكهم وفناؤهم.
وهذا يذكر المشركين في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن ما يدبرونه ضد النبي - صلى الله عليه وسلم - من تدبير يريدون به إخفاقهم لهم سيكون من عوامل نصره، وإن الله محيط بهم، وبما يدبرون.
وإن هذا عذاب الدنيا للمشركين، وقد تبين في عاد وثمود، ومدين، وفرعون وملئه،