وإذا كان سبحانه قد بين كيف يستقبل المستكبرون عندما تتوفاهم الملائكة، فقد بين أيضا ما يستقبل المخلصون، فقال:
[ ص: 4168 ] الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون .
ولقد وصف الله سبحانه وتعالى المستكبرين بأنهم ظالمون أنفسهم، وهم في هذه الحال التي أوقعتهم في رجس وفسوق، فإنه سبحانه قد وصف المتقين بأنهم طيبون، والطيب ضد الخبيث، وضد الشرير، فوصفوا بأنهم طيبون؛ لأنهم خلصوا من الشرك والظلم والاستكبار، ولأنهم صالحون في ذات أنفسهم، زكية نفوسهم طيبة راضية مرضية، وطيبة حياتهم من بعد.
والطيبة وصف للنفوس المطمئنة الراضية غير المعتدية الآثمة، وهو وصف جامع لكل الخلال الباطنة والظاهرة يوصف به كل الذين لا يحملون ضغنا، ولا يحقدون، ولا يعتدون، وينصرفون لذات أنفسهم يصلحونها، ويراقبونها، ولا يكون منهم للناس إلا ما فيه مصلحتهم، و "طيبين" حال من المفعول، وقوله تعالى: "يقولون" في الآية حال من الملائكة، والمعنى: يتوفونهم قائلين لهم: سلام عليكم إيناسا لهم بالتحية ودعوة لهم بالأمن والاطمئنان، وبث روح الأمان، وبشرى لهم، كما قال تعالى: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنـزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ويقولون مع هذا السلام المؤمن المبشر: ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون الباء باء السببية، أي: لسبب عملكم الذي عملتموه غير مدخرين في سبيل الخير، وقوله تعالى: " كنتم تعملون تدل على استمرار العمل؛ لأن (كان) تدل على الماضي مع الدوام في مثل هذا المقام، كقوله تعالى؛ " وكان الله عفوا غفورا وقد جمع بين الماضي في "كان" والمستقبل في " تعملون" ، فكان دالا على استمرار عملهم، وكان صالحا، والله تعالى يجزيهم أحسن الجزاء.