أي: تخوف من العذاب أن ينزل بهم كما نزل بالأقوام قبلهم فهم يعروهم الخوف، ولكن لا يصل إلى حملهم على الإيمان، ولكن يتخوفون أن ينزل بهم، وقد يفسر التخوف بمعنى النقص، أي [ ص: 4188 ] ينقص الله من أموالهم شيئا فشيئا. كما فعل سبحانه وتعالى بقوم فرعون؛ إذ قال سبحانه: ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون فالتخوف هو النقص حتى يكون الهلاك من بعد ذلك.
ولقد ذكر في ذلك ما نصه: " وقيل هو من قولك: تخوفته إذا تنقصته، قال الزمخشري زهير:
تخوف الرحل منها تامكا قردا كما تخوف عود النبعة السفن
أي يأخذهم على أن يتنقصهم شيئا بعد شيء في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا، وعن رضي الله عنه أنه قال على المنبر: ما تقولون فيها، فسكتوا فقام شيخ من عمر هذيل فقال: هذه لغتنا، التخوف التنقص، قال: فهل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال: نعم. قال: شاعرنا، وأنشد البيت، فقال أيها الناس عليكم بديوانكم، قالوا: وما ديواننا، قال: شعر الجاهلية ". عمر:
ومعنى النص السامي أن العذاب يأتيهم وهم لا يشعرون وهم في مأمنهم قابعون، أو يأتيهم في متاجرهم ومتقلبهم مقبلين، أو يأتيهم بنقص وهلاك بطيء فينتهون وهم قد عرفوا الابتداء ولم يعرفوا الانتهاء.
وقد ختم الله سبحانه آيات الإنذار بقوله: فإن ربكم لرءوف رحيم
ووصف الله سبحانه وتعالى ذاته بالرأفة والرحمة مع هذا التهديد الشديد؛ لأن رأفته بهم، ورحمته العامة، اقتضت ألا يعاجلهم بالعقاب، فهو سبحانه يبين لهم أنه قادر على العقاب ينزله بهم في أي باب من هذه الأبواب، ولكنه لم يعجل رأفة بهم وهو رحيم رحمة عامة للناس.
وفوق ذلك، فإن الإنذار بالعقوبة، بل العقوبة نفسها رحمة بالكافة، فليس من الرحمة بالكافة أن يترك الظالم في غيه يرتع ويلعب ويعبث بالكرامة الإنسانية، فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ، وقد ثبت في [ ص: 4189 ] الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من لا يرحم لا يرحم " ويقول - صلى الله عليه وسلم -: " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله أنهم يجعلون لله ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم "، . " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته "