وإنه من بعد ضرب الأمثال، ومنها يتبين أن الله سبحانه وتعالى يدير العالم بحكمته، وأنه وحده القادر على كل شيء، وأن الحساب يجيء لا محالة، ولذا قال تعالى:
ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير [ ص: 4229 ]
أحسب أن هذه الآية تشير إلى ما قدره سبحانه وتعالى في علمه المكنون مما كتبه على الناس من غنى وفقر، وإن كل شيء بقدره، وفي غيبه حتى العجز والكيس، ومع ذلك فيها بيان لما يستعجله الناس من وعيد، ومن قيام الساعة مع أنه قريب وأنه ليس بعسير على الله تعالى، بل كلمح البصر أو هو أقرب، واللمح: النظر السريع، يقال: لمحه لمحا ولمحانا إذا أدركه بطرف العين أو مجرد حركتها بحركة الهدب، وهو زمن لا يتجاوز ثواني من دقيقة.
والمعنى وإن أمر الساعة وزمانها وإن استطلتم الزمن الذي يمضي هو أيضا عند الله كلمح البصر، أي تحسبونه بعيدا وهو عند الله تعالى قريب كلمح البصر فالأزمان تجري عليكم بالطول والقصر، أما عند الله؛ فإنه لا زمان يحكمه، ولا ظرف يحيط، إنما ذلك أعراض لا تكون إلا عند الحوادث، وذلك كقوله تعالى:
إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا وكقوله تعالى: ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون أي: إن الزمن لا يحكم إرادة الله، بل إرادة الله تعالى هي الخالقة للأفلاك والأزمان ومعنى أمر الساعة مهما طال زمنها في نظركم، هو عند الله قريب أو هو أقرب (أو) للإضراب عن وصف أمرها بأنها كلمح البصر، بل هي أقرب من ذلك إن بالغتم في الاستغراب.
وإنه يراد مع استطالة الزمن أن الساعة إذا جاءت واضطربت السماوات والأرض وكورت الشمس وانفطرت الأرض والكواكب اندثرت، كل ذلك يتم في لمح البصر أقرب من ذلك، فالله تعالى على كل شيء قدير؛ ولذا ختم الآية بقوله تعالى: إن الله على كل شيء قدير وقد أكد سبحانه وتعالى قدرته بعدة مؤكدات؛ أولها: الجملة الاسمية، وثانيها: (إن) الدالة على تأكيد الخبر وهو قدرة الله تعالى، وتقديم ( كل شيء) على (قدير) ؛ لأنه يدل على الاهتمام، والله أعلم.
[ ص: 4230 ] وبعد أن بين سبحانه أن وأن الغيب كله في علمه سبحانه وقدرته، الله تعالى قدير على كل شيء، وأنه خالق العاجزين والقادرين، والمنافقين، ومن لا خير فيه، أينما يوجهه لا يأت بخير