الله أبقى وخيره أبقى
قال الله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=19573_34136_34141_34306_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=98فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=99إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=100إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون
في الآية السابقة، قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=95ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا وختم الآية بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=95إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون
وفي هذه الآيات الكريمات يبين وجه الخيرية لما عند الله تعالى؛ ولذا قال تعالى:
[ ص: 4263 ] nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون
( ما) اسم موصول بمعنى الذي، أي الذي عندكم أعراض فانية، فإن كانت مالا فإنها تنفد ينهيها الزمان مهما يكن الحرص، وإن بقيت فإنما تبقى بقدر حياة الذي يقتنيها، وإن حياته لقصيرة في أزمان الناس،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96وما عند الله باق أي والذي عند الله باق يبقى ببقاء الجنة، وإن نعيمها الخالد والذين ينالونها خالدون فيها أبدا، والفرق بين ما عند الناس حلالا وحراما وما عند الله هو الدوام فنعيم الآخرة مقيم، ونعيم الدنيا فأقصى مدته هي مدة الدنيا.
وقد بين سبحانه وتعالى الذين يستحقون ما عند الله وهو الباقي فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون و(صبروا) صلة الموصول، وهي تشير إلى أن الصبر سبب هذا النعيم الباقي الذي لا ينفد، فالصبر وهو ضبط النفس في ظل الأوامر والنواهي، فضبط النفس عند الأمر بالوفاء بالعهد يوجب ألا يتدافع الناس وراء بارقة تحمل على النقض، ويوجب ألا يستطار وراء مطمع فلا يفي، والصبر هو الذي يضبط النفس فيحملها على الطاعة، ويحملها على اجتناب المعاصي، والجهاد بالصبر على كف أهواء النفس ونزعاتها جهاد سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - الجهاد الأكبر.
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96أجرهم جزاء بأحسن الأعمال التي عملوها فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96بأحسن ما كانوا يعملون ؛ أي بأحسن الأعمال التي عملوا، يعني يتخير الله تعالى لهم من أعمالهم أحسنها، ويغفر لهم اللمم والهنات، والجزاء على أحسن الأعمال يتناول الجزاء الأوفى على كل عمل يعملونه، وإن الله لا يضيع أجر المحسنين، وإن الصابرين لهم أجران: أجر الصبر وهو جهاد، وأجر العمل وهو إحسان، وهنا أمران بيانيان:
الأمر الأول: في المقابلة بين ما عند الناس، وما عند الله، فقد وصف ما عند الناس بأنه ينفد، وما عند الله بأنه باق، أي له صفة البقاء والدوام والاستمرار وفرق بين ما يوجد لينتهي وما يوجد ليبقى.
[ ص: 4264 ] الأمر الثاني: أن الله تعالى أكد جزاء الصابرين بالقسم ولامه ونون التوكيد الثقيلة، فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96ولنجزين الذين صبروا وإن الجزاء يتخير فيه أحسن الأعمال ويعفو عن كثير .
اللَّهُ أَبْقَى وَخَيْرُهُ أَبْقَى
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=19573_34136_34141_34306_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=97مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=98فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=99إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=100إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ
فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ، قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=95وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا وَخَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=95إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
وَفِي هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ يُبَيِّنُ وَجْهَ الْخَيْرِيَّةِ لِمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
[ ص: 4263 ] nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
( مَا) اسْمٌ مَوْصُولٌ بِمَعْنَى الَّذِي، أَيِ الَّذِي عِنْدَكُمْ أَعْرَاضٌ فَانِيَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ مَالًا فَإِنَّهَا تَنْفَدُ يُنْهِيهَا الزَّمَانُ مَهْمَا يَكُنِ الْحِرْصُ، وَإِنْ بَقِيَتْ فَإِنَّمَا تَبْقَى بِقَدْرِ حَيَاةِ الَّذِي يَقْتَنِيهَا، وَإِنَّ حَيَاتَهُ لِقَصِيرَةٌ فِي أَزْمَانِ النَّاسِ،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ أَيْ وَالَّذِي عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ يَبْقَى بِبَقَاءِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ نَعِيمَهَا الْخَالِدَ وَالَّذِينَ يَنَالُونَهَا خَالِدُونَ فِيهَا أَبَدًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا عِنْدَ النَّاسِ حَلَالًا وَحَرَامًا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ الدَّوَامُ فَنَعِيمُ الْآخِرَةِ مُقِيمٌ، وَنَعِيمُ الدُّنْيَا فَأَقْصَى مُدَّتِهِ هِيَ مُدَّةُ الدُّنْيَا.
وَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَهُوَ الْبَاقِي فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَ(صَبَرُوا) صِلَةُ الْمَوْصُولِ، وَهِيَ تُشِيرُ إِلَى أَنَّ الصَّبْرَ سَبَبُ هَذَا النَّعِيمِ الْبَاقِي الَّذِي لَا يَنْفَدُ، فَالصَّبْرُ وَهُوَ ضَبْطُ النَّفْسِ فِي ظِلِّ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، فَضَبْطُ النَّفْسِ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ يُوجِبُ أَلَّا يَتَدَافَعَ النَّاسُ وَرَاءَ بَارِقَةٍ تَحْمِلُ عَلَى النَّقْضِ، وَيُوجِبُ أَلَّا يُسْتَطَارَ وَرَاءَ مَطْمَعٍ فَلَا يَفِي، وَالصَّبْرُ هُوَ الَّذِي يَضْبِطُ النَّفْسَ فَيَحْمِلُهَا عَلَى الطَّاعَةِ، وَيَحْمِلُهَا عَلَى اجْتِنَابِ الْمَعَاصِي، وَالْجِهَادِ بِالصَّبْرِ عَلَى كَفِّ أَهْوَاءِ النَّفْسِ وَنَزَعَاتِهَا جِهَادٌ سَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ.
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96أَجْرَهُمْ جَزَاءً بِأَحْسَنِ الْأَعْمَالِ الَّتِي عَمِلُوهَا فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ؛ أَيْ بِأَحْسَنِ الْأَعْمَالِ الَّتِي عَمِلُوا، يَعْنِي يَتَخَيَّرُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ أَحْسَنَهَا، وَيَغْفِرُ لَهُمُ اللَّمَمَ وَالْهَنَاتِ، وَالْجَزَاءُ عَلَى أَحْسَنِ الْأَعْمَالِ يَتَنَاوَلُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى عَلَى كُلِّ عَمَلٍ يَعْمَلُونَهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضَيِّعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، وَإِنَّ الصَّابِرِينَ لَهُمْ أَجْرَانِ: أَجْرُ الصَّبْرِ وَهُوَ جِهَادٌ، وَأَجْرُ الْعَمَلِ وَهُوَ إِحْسَانٌ، وَهُنَا أَمْرَانِ بَيَانِيَّانِ:
الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: فِي الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ مَا عِنْدَ النَّاسِ، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ، فَقَدْ وُصِفَ مَا عِنْدَ النَّاسِ بِأَنَّهُ يَنْفَدُ، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بِأَنَّهُ بَاقٍ، أَيْ لَهُ صِفَةُ الْبَقَاءِ وَالدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ وَفَرْقٌ بَيْنَ مَا يُوجَدُ لِيَنْتَهِيَ وَمَا يُوجَدُ لِيَبْقَى.
[ ص: 4264 ] الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكَّدَ جَزَاءَ الصَّابِرِينَ بِالْقَسَمِ وَلَامِهِ وَنُونِ التَّوْكِيدِ الثَّقِيلَةِ، فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَإِنَّ الْجَزَاءَ يَتَخَيَّرُ فِيهِ أَحْسَنَ الْأَعْمَالِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ .