بين الله ما أحل وما حرم، ثم حرم الله تعالى على اليهود بعض أمور، وكان التحريم خاصا بهم دون غيرهم فطما لنفوسهم الشهوانية الظالمة، وقد أشار سبحانه إلى هذه المحرمات في قوله تعالى:
nindex.php?page=treesubj&link=19827_30364_31931_32421_32424_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=118وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون .
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=118ما قصصنا عليك من قبل أي ما أخبرناك بتحريمه من قبل، وهذا يدل على أن هذه الآية في سورة النحل متأخرة عن التحريم على اليهود في سورة الأنعام، وذلك النص في سورة الأنعام:
[ ص: 4294 ] nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=146وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون
وفي هذه الآية التي سبقت في سورة الأنعام ذكر سبحانه أن ذلك كان فطما لأهوائهم وشهواتهم وبغيهم، فكان التحريم تأديبا لهذه النفوس أو تقوية لإراداتهم ومنعا لأهوائهم وشهواتهم، ولذا قال في الآية الكريمة التي نتولى ذكر معانيها الحكيمة
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=118وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون أي: وما ظلمناهم بذلك المنع الجزئي، بل هم الذين بغوا، وأكثروا فيها الفساد، وأدى ذلك إلى ظلمهم؛ ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=118ولكن كانوا أنفسهم يظلمون الاستدراك هنا لتأكيد نفي الظلم، وإثبات الظلم عليهم هم، وتقديم (أنفسهم) على (يظلمون) للدلالة على الاختصاص، أي: لا يظلمون أحدا غير أنفسهم.
بَيَّنَ اللَّهُ مَا أَحَلَّ وَمَا حَرَّمَ، ثُمَّ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْيَهُودِ بَعْضَ أُمُورٍ، وَكَانَ التَّحْرِيمُ خَاصًّا بِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ فَطْمًا لِنُفُوسِهِمُ الشَّهْوَانِيَّةِ الظَّالِمَةِ، وَقَدْ أَشَارَ سُبْحَانَهُ إِلَى هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=treesubj&link=19827_30364_31931_32421_32424_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=118وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=118مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ أَيْ مَا أَخْبَرْنَاكَ بِتَحْرِيمِهِ مِنْ قَبْلُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنِ التَّحْرِيمِ عَلَى الْيَهُودِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَذَلِكَ النَّصُّ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ:
[ ص: 4294 ] nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=146وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
وَفِي هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي سَبَقَتْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فَطْمًا لِأَهْوَائِهِمْ وَشَهَوَاتِهِمْ وَبَغْيِهِمْ، فَكَانَ التَّحْرِيمُ تَأْدِيبًا لِهَذِهِ النُّفُوسِ أَوْ تَقْوِيَةً لِإِرَادَاتِهِمْ وَمَنْعًا لِأَهْوَائِهِمْ وَشَهَوَاتِهِمْ، وَلِذَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي نَتَوَلَّى ذِكْرَ مَعَانِيهَا الْحَكِيمَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=118وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ أَيْ: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ بِذَلِكَ الْمَنْعِ الْجُزْئِيِّ، بَلْ هُمُ الَّذِينَ بَغَوْا، وَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ، وَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى ظُلْمِهِمْ؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=118وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ الِاسْتِدْرَاكُ هُنَا لِتَأْكِيدِ نَفْيِ الظُّلْمِ، وَإِثْبَاتِ الظُّلْمِ عَلَيْهِمْ هُمْ، وَتَقْدِيمُ (أَنْفُسَهُمْ) عَلَى (يَظْلِمُونَ) لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، أَيْ: لَا يَظْلِمُونَ أَحَدًا غَيْرَ أَنْفُسِهِمْ.