إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين
[ ص: 4297 ] (أمة) إما أن تكون بمعنى إمام، أي أنه عليه السلام كان إمام الموحدين المقتدى بهم أو مذهبا متبعا، كقول الله تعالى: إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون
وفسره بأنه وحده أمة كأنه جماعة جمعت الفضائل كلها، وقد قال في ذلك: الزمخشري إن إبراهيم كان أمة لكماله واستجماعه فضائل لا تكاد توجد إلا متفرقة في أشخاص كثيرة، كقوله:
ليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد
وهو رئيس الموحدين وقدوة المحققين الذي جادل في المشركين، وأبطل مذاهبهم الزائفة بالحجج الدامغة، وهذا وجه، وقال والثاني: أن يكون أمة بمعنى مأموم أي: يؤمه الناس ليأخذوا منه الخير، أو بمعنى مؤتم كأمة كالرحلة والنخبة وما أشبه ذلك مما جاء من فعله بمعنى مفعول، فيكون مثل قوله تعالى: الزمخشري:إني جاعلك للناس إماما ويروي عن الشعبي، نوفل الأشجعي، عن أنه قال: إن ابن مسعود كان أمة قانتا لله، فقلت: غلطت، إنما هو معاذا إبراهيم، فقال: الأمة الذي يعلم الخير، والقانت المطيع لله ورسوله وكان كذلك. معاذ وعن رضي الله عنه أنه قال حين قيل له استخلف: لو كان عمر حيا لاستخلفته، ولو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته، ولو كان معاذ حيا لاستخلفته، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " سالم أمين هذه الأمة، أبو عبيدة أمة قانتا لله ليس بينه وبين الله يوم القيامة إلا المرسلون، ومعاذ شديد الحب لله لو كان لا يخاف الله لم يعصه "، وسالم وهو ذلك المعنى: أي كان إماما في الدين؛ لأن الأئمة معلمو الخير.
ونقول: إن الوجهين اللذين ذكرهما يصح أن يوادا معا، فهو في ذاته أمة؛ لأنه جامع لكل صفات الكمال البشري، ومستجمع لكل أسباب الرفعة عند الله، وهو مع ذلك إمام يؤتم ويقصد إذ هو إمام الموحدين، والله أعلم ؛ ولذلك عقب ذكره بتزييف مذاهب المشركين من الشرك والطعن والنبوة، وتحريم ما أحله الله، ولأنه كان وحده أمة موحدا، وكان سائر الناس مشركا. الزمخشري
[ ص: 4298 ] هذا هو الوصف الأول لإبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم، والوصف الثاني: أنه قانت لله، أي: خاضع مطيع مسلم وجهه لله تعالى، والوصف الثالث: أنه كان (حنيفا) ، أي طاهرا نقيا في نفسه وقلبه مائلا للحق أي متجها بكل نفسه إلى الحق لا ينحرف إلى الباطل، الوصف الرابع: وهو وصف سلبي ناف عنه الشرك؛ ولذا قال: ولم يك من المشركين