وقوله تعالى: ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا فيه ثلاثة أمور بيانية تجب الإشارة إليها:
الأمر الأول - في قوله تعالى: ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا فيه أن ما يدعوكم إليه من عدم الشرك هو وحي من الله باتباع إبراهيم الذي يعتزون به، فذلك الوحي هو مما تفخرون وتعتزون فلا تنافروا الداعي ولا تعادوه، وهو على ملة إبراهيم فسيروا في مفاخركم باتباعها، وهو مائل عن الشرك غير منحرف إليه.
الأمر الثاني - التعبير بـ (ثم) فإن مؤداها أن إيحاء الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - باتباع ملة إبراهيم هو سمو بإبراهيم أعلى من كل ما سبق؛ لأن المؤدى في كلمة (ثم) التي تفيد التراخي أنه سما الأمر بإبراهيم أنه علا حتى صار محمد سيد الخلق تابعا له في ملته، فالتراخي هنا معنوي بالعلو بين مرتبة خاتم النبيين ومرتبة سيدنا إبراهيم، وإنه جده، ولكن محمدا فخر بني عدنان وفخر الإنسانية كلها، أشار إلى ذلك وقال في التعليق عليه الزمخشري الناصر أحمد:
و (إنما) تفيد ذلك؛ لأن (ثم) في أصل وصفها التراخي المعطوف عليه في الزمان، ثم استعملت في تراخيه عنه في علو المرتبة بحيث يكون المعطوف أعلى مرتبة وأشمخ محلا مما عطف عليه، فكأنه بعد أن عدد مناقب الخليل عليه السلام قال تعالى وهاهنا ما هو أعلى من ذلك كله قدرا وأرفع مرتبة، وأبعد رفعة، وهو أن النبي الأمي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو سيد البشر متبع ملة إبراهيم مأمور باتباعه بالوحي [ ص: 4301 ] متلو أمره بذلك في القرآن الكريم العظيم، ففي ذلك تعظيم لهما، لكن نصيب النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا التعظيم أوفر وأكبر.
الأمر الثالث - أن قوله تعالى: أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم (أن) هنا بيانية، أي تبين معنى الوحي، فقوله تعالى اتبع ملة إبراهيم تفسير لـ "أوحينا"، فهي أمر باتباع ملة إبراهيم.
وقد ختم الله تعالى النص بقوله تعالى: وما كان من المشركين وهذا تحريض للمشركين على منع الشرك؛ لأن إبراهيم لم يكن مشركا من وقت نشأته غلاما صبيا إلى أن توفي بعد عمر مبارك طويل مديد عليه السلام.