[ ص: 75 ]  (سورة البقرة ) 
 (بين يدي السورة ) 
سورة البقرة  مدنية نزلت في المدينة  في مدد ، وقيل إنها أول سورة نزلت بالمدينة   ، وقد ادعى بعض العلماء أن بعض هذه السورة كان آخر آية نزلت من القرآن الكريم  ، وهي قوله تعالى : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله  نزلت في حجة الوداع بمنى  ، وهي على هذا باعتبار نزولها في مكة  تكون مكية . 
وإن الذي نراه أن فيصل التفرقة بين المكي والمدني  ، ليس هو مكان النزول ، إنما هو كونه بعد الهجرة أو قبلها ، فإن كان قبلها ، فهو مكي ، وإن كان بعدها فهو مدني ولو نزل بمكة  ، إذ إن الفارق بين المكي والمدني موضوعي ، لا مكاني إذ إن أكثر الموضوعات التي تتصدى لها السور والآيات المكية : بيان أصل العقيدة الإسلامية ، ومجادلة المشركين حولها ، وسوق الأدلة لبطلان الوثنية ، وتأكيد الوحدانية ، والتعرض لأحوال المشركين ، ومعاداتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومن آمن معه ، وأخبار المبادرة بالدعوة وإنذار العشيرة ، كما قال تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين  واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين   . وهكذا أكثر القرآن المكي يتعرض لإثبات العقيدة ، ومجادلة من ينكرونها من عبدة الأوثان . 
أما السور المدنية وآياتها ، فإنها تبين الأحكام الفرعية ، وأحوال أهل الكتاب مع أهل الإيمان ، وتنظيم الدولة الإسلامية ، وسن النظم لتكوينها ، وتكوين  [ ص: 76 ] المجتمع الفاضل الذي تقوم عليه ، وما يحل وما يحرم في هذا المجتمع ، وفيها قيام الأسرة الإسلامية التي تقوم على تقوى من الله تعالى ، ورضوان من الله ورحمة . 
وإذا كانت السور المكية فيها الإشارات لإيذاء المؤمنين ، واستضعافهم ، مع رجاء القوة كقوله تعالى : ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين   . 
إذا كانت السور المكية فيها إشارة إلى الاستضعاف فالسور المدنية فيها الإذن بالقتال ، وتنظيمه ، والسير به في طريق الحق والعدل ، وبيان الغاية من القتال ونهايته ، وهي منع الفتنة في الدين . 
وسورة البقرة أطول سور القرآن ، وسميت البقرة لأظهر الحوادث التي ذكرتها ، وأغربها ، وهي بقرة بني إسرائيل التي لجوا في السؤال عنها ، وما تدل على أخلاقهم من اللجاجة في القول ، وإرادة التلبيس في الأمر الواضح البين ، فقد كانوا كلما زادت لجاجتهم زاد الأمر تعقيدا عليهم ، وتلبيسا على أنفسهم . 
* * * 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					