إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا كان السبب في كفر من كفر ، وزيع من يزيغ ، هو اغترارهم في هذه الحياة الدنيا بكثرة المال ، وعزة النفر ، وقوة العصبية ، مما جعلهم يبغون على الناس ، ويبغون على أنفسهم ، [ ص: 1120 ] فتطمس مسالك النور إلى قلوبهم ; وإنه ; ولذلك ذكر سبحانه وتعالى أن هذه الأموال وأولئك الأولاد وإن كانوا العصبة أولي القوة لن تغني عنهم شيئا . وقد أكد القول سبحانه في موضعين في قوله : لا شيء يدلي بالنفس فتعمى عن الإدراك أكثر من الغرور إن الذين كفروا وبهذا يؤكد سبحانه وقوع الكفر منهم ، ويؤكد النفي سبحانه في قوله ، لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا إذ نفي بـ : " لن " ; فالخبران مؤكدان : الإثبات والنفي ; فكفرهم وعدم نفع أعراض الدنيا مؤكدان ، وكأن مجرى القول هكذا : غرتهم أماني الدنيا بالأموال والأولاد فكفروا كفرا مؤكدا مع أنه من المؤكد أنها لن تنفعهم بأي نفع ، ولن يكون فيها ما يغني عن رحمة الله التي حرموها بسبب كفرهم المؤكد ، وهنا بعض إشارات بيانية منها قوله : لن تغني عنهم أموالهم فقد قال بعض المفسرين : إن معناها لن تدفع عنهم من عذاب الله شيئا . فـ تغني معناها تدفع ، والدفع المنفي هو منع العذاب ، ولكن كلمة تغني لا تدل على معنى الدفع إلا على سبيل المجاز ، الذي يرشح له ويقويه قوله تعالى : من الله و " من " هنا بمعنى البدلية ، والمعنى يكون على هذا : لا تكون الأموال والأولاد مغنية أي غناء ونافعة أي نفع بدل رحمة الله تعالى وقدرته وإرادته ونفعه لعباده ; فالغاية أن الأولاد والأموال لا تجلب رحمة بدل رحمة الله تعالى ونفعه لعباده شيئا من الغناء أو النفع .
ثم قوله في نفي نفع الأولاد بعد نفي نفع الأموال ولا أولادهم إشارة إلى أن قوة النفع بمقتضى الفطرة والعادات الجارية في الأولاد أكثر ; ولذا أكد النفي فيه بعد تأكيده أولا بتكرار " لا " كأن نفي نفع الأموال أسهل قبولا من نفي نفع الأولاد ، ولذا زاده توكيدا بعد توكيد ; وإن أولئك الكافرين إذا كانوا قد حرموا نفع الأولاد والأموال ، ولم يستبدلوا برحمة الله شيئا ، فلهم مع ذلك عذاب شديد ، ولذا قال سبحانه بعد ذلك