ومع ما بدا عليه أهل القرية من بخل؛ رأى جدارا آيلا للسقوط فأقامه; ولذا قال (تعالى): فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه أي أن موسى والعبد الصالح وجدا جدارا قد تداعى للانهيار؛ أو آل للسقوط؛ فأقامه مع أهلها؛ وقد عبر الله (تعالى) عن الأيلولة للسقوط بقوله - سبحانه -: يريد أن ينقض أي: ينهار؛ والإرادة هنا تعبير مجازي؛ فقد شبه الجدار الذي مال للسقوط بإنسان له إرادة؛ وأراد أن يقع؛ و "ينقض "؛ تجريد للإجازة; لأنه وصف يناسب المشبه؛ ولقد أفاض بباعه الطويل في البلاغة في هذا المجاز؛ فقال: الزمخشري يريد أن ينقض استعيرت الإرادة للمداناة والمشارفة؛ كما استعير الهم والعزم؛ قال : حسان
إن دهرا يلف شملي بحمل ... لزمان يهم بالإحسان
وسمعت من يقول: "عزم السراج أن يطفأ "؛ وقول الله (تعالى): قالتا أتينا طائعين ؛ وقد ضرب على ذلك أمثلة كثيرة؛ لقد أخبرنا الله (تعالى) أنه أقامه؛ ولكن لم يبين لنا - سبحانه - كيف أقامه؛ أهدمه ثم أقامه من جديد; أم أقام أعمدة سندته؛ أم رم ما فيه من ثغرات؟ لم يبين القرآن ذلك؛ ولا تستطيع معرفته بروايات من غير القرآن؛ إلا أن تكون سنة نبوية ثبتت بسند صحيح؛ لا مرية فيه؛ ولا وهن؛ وإن كنا [ ص: 4567 ] نميل إلى أنه هدمه وبناه؛ كما سيبين في أنه كان لغلامين يتيمين؛ وكان تحته كنز؛ والأمر أثار استغراب كليم الله (تعالى)؛ موسى؛ لأنهم أنذال؛ وكلف نفسه إقامة جدار أراد أن ينقض; ولذا قال لصاحبه: لو شئت لاتخذت عليه أجرا أي أنه عمل نافع لقوم لئام؛ يستحق أجرة؛ وهما في حاجة إليها؛ وقوله (تعالى): "لو شئت "؛ أي: يمكنك أن تأخذ عليه أجرا لو أردت؛ وهذا بلا ريب اعتراض؛ وإن كان خفيفا; لأنه لم يقل: إنه أمر إمر؛ ولا أمر نكر؛ ومهما يكن فإنه لا يخلو من اعتراض؛ ولوم؛ ورغبة في أن يأخذ أجرا؛ ولقد أنهى بعدها الصحبة العبد الصالح؛ فقال: