بعد ذلك ذكر - سبحانه - لموسى - عليه السلام - وما يتصل بالآخرة؛ وإن هذا فيصل الإيمان بالقيامة؛ والبعث؛ فالإيمان بالبعث؛ وما يعقبه؛ هو قوام الشخصية المؤمنة؛ وهو الإذعان؛ وبه يكون السير إلى الله؛ ولذا جعل من أركان الإيمان مع التوحيد؛ والصلاة؛ لامتلاء النفس بذكر الله (تعالى)؛ التفرقة بين الإيمان؛ والزندقة؛ إن الساعة آتية أكاد أخفيها أي أنه - سبحانه وتعالى - أخفاها؛ لأنه لا يبين للناس متى تكون؛ ولم يعط علمها لنبي؛ ولا لأحد من الناس؛ مع تأكيد وقوعها من غير تعيين لزمانها؛ فكأنه أخفاها؛ أخفى زمانها؛ وأكد وقوعها؛ فهو لم يخفها؛ ولو كان أعلم الناس بها علما كاملا؛ لأعلم متى تكون؛ ولكنه أكد مجيئها.
وقوله (تعالى): لتجزى كل نفس بما تسعى اللام متعلقة بـ "آتية "؛ أي أن مجيئها للجزاء؛ فيجزى من عمل عملا صالحا جزاء صالحا؛ ومن عمل عملا سيئا يجزى جزاء وفاقا؛ لما ارتكب؛ وهكذا يكون كل مجزيا بعمله؛ إن خيرا فخير؛ وإن شرا فشر؛ فما خلق الإنسان سدى؛ يفعل ما يشاء من غير حساب على ما فعل؛ وجزاء للخير الذي أراده؛ ونواه؛ وفعله؛ وقوله (تعالى): بما تسعى أي تجزى جزاء بالذي تسعى؛ الباء للمقابلة؛ أي مقابل ما تسعى؛ أو تجزى بذات ما تسعى؛ وذلك لمساواة السعي مع الجزاء؛ فكأنه هو هو.