[ ص: 4722 ] ولادته وكفالته
ولقد مننا عليك مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري
كلام لموسى - عليه السلام -؛ وكانت تلك المجاوبة الرحيمة من الله؛ والمحبوبة لموسى؛ من وقت أن آنس من جانب الطور نارا؛ وذهب إليها ليأتي لأهله منها بقبس؛ أو يجد على النار هدى؛ وقد من الله على موسى بأن آتاه سؤله؛ وذكر موسى بأنه كانت كلاءته الكريمة من وقت أن ولد؛ ولذا قال له: ولقد مننا عليك مرة أخرى فليست هذه أول ما مننا به عليك؛ فقد من عليك بمنن كثيرة من قبل؛ وإذا كانت هذه منة تسهيل الرسالة؛ وتبليغها؛ عليك؛ فقد مننت عليك بالكفالة؛ والمحبة؛ من وقت ولادتك إلى أن لقيتني عند الشجرة؛ ونبتدئ فنلخص هذه المنن الكريمة؛ أولاها: عند ولادتك؛ فإن أمك الرؤوم خشيت عليك من فرعون الطاغية؛ الذي كان يذبح أبناء بني إسرائيل؛ ويستحيي نساءهم؛ ليكونوا خدما في البيوت؛ أو [ ص: 4723 ] إماء؛ وقد قال (تعالى) - في إنجائه -: إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني منن كثيرة في منة واحدة؛ وهي إنقاذه من سكين فرعون الظالم القاسي؛ الذي حاول الظالمون القساة أن يقلدوه في ظلمه لمخالفيه؛ وطغيانه عليهم؛ من غير رحمة؛ أو رأفة إنسانية؛ وقد رأينا ذلك وعايناه في طاغية كان دون فرعون شأنا؛ ولكنه كان أشد منه غلظة؛ فما رأيناه من فرعون في معاملته لبني إسرائيل بحسبان أنهم ليسوا من بني جلدته؛ وغلظة هذا أشد في أنه كان يفعله مع بني جلدته؛ وهو ظلم وفحش فيه في الحالين؛ وإن كانت إحداهما أشد وأغلظ؛