[ ص: 4764 ] عبدوا العجل!!
وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى
إن هذا هو - عليه السلام - وهو رعايته لبني إسرائيل؛ لقد قيل في الروايات: إن عددهم كان ستمائة ألف؛ ولكن تربيتهم على العقيدة السليمة؛ عقيدة الوحدانية؛ أخذت جهدا كبيرا؛ ثم إزالة ما علق برؤوسهم من [ ص: 4765 ] أوهام المصريين أخذ أمدا طويلا؛ وتربيتهم على النخوة والقوة والعزة كان فوق طاقة الدور الأخير من رسالة موسى موسى - عليه السلام -؛ ولذا جعلهم الله يتيهون في الأرض أربعين سنة؛ ليتربوا فيها على النخوة والبأس والعزة؛ إن كان فيهم استعداد لها ولتكاليفها؛ وقال الله (تعالى) لكليمه موسى - مواسيا -: قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين
لموسى الكليم فتنة العجل؛ ذهب أول صدمة موسى إلى جانب الطور الأيمن؛ كما وعده ربه؛ ليتلقى التوراة؛ وذهب فرحا عجلا; لأنه على شوق لمخاطبة ربه؛ ولأن المسارعة إلى وعد الحبيب ترضيه؛ وترضي نفسه؛ وفي غيبة موسى عن قومه - لم يكن وقتا طويلا - فتن بنو إسرائيل بعبادة العجل؛ وربما يكون موضع عتب بهذه المسارعة؛ لما اقترن بغيبته؛ وكل شيء بإرادة الله؛ ولكن على المرشد الهادي أن يراقب النفوس؛ وموضع ضعفها؛ وموضع الضعف عند الإسرائيليين هو معاشرتهم لأهل فرعون؛ هو اتباعهم طريق هؤلاء في أوهامهم؛ وعاداتهم؛ وتقاليدهم.
قال الله (تعالى) - لكليمه؛ وقد جاء مسارعا إليه في موعده -: وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى الواو وصلت ما بعدها بما قبلها؛ لكمال السياق؛ ولبيان أن الفتنة جاءت بعد الإنعام بالإنجاء؛ وتنزيل المن والسلوى؛ والمواعدة على خطاب الله (تعالى) لموسى؛ وهذا فيه تقريب لما يقع منهم من بعد؛ إذ قرنوا تلك النعم السامية بالكفر؛ لا بالشك؛ وبذلك يتصور القارئ ما سيكون منهم.
كان موسى - عليه السلام - قد خرج من قومه بمن يمثلونهم؛ وهم السبعون المختارون؛ الذين يمثلون أسباطهم؛ ولكنه ككل رئيس قد يسبق من معه؛ يتعرف أمر اللقاء; ولأنه في شوق للأنس بكلام ربه; ولأنه يرى أن الله (تعالى) سيخاطبه بشرائع قد بعث بها؛ [ ص: 4766 ] سبقهم إلى الموعد؛ ولكن الله (تعالى) قدر ميقاتا محدد الابتداء والانتهاء؛ لمصلحة قدرها؛ ولم يكن تقديره لغير أمر قدره - سبحانه -؛ وإن لبث موسى في قومه قد قدر الله فيه دفع ضرر؛ والله لا يخلف الميعاد؛ وكل شيء بقضاء الله؛ وبتقديره؛ وفي علمه المكنون؛ فهو - سبحانه وتعالى - يعلم ما كان؛ وما سيكون.
عتب الله (تعالى) على كليمه المختار تعجله في ذاته؛ وعتب عليه أن سبق قومه وتركهم؛ وهم يحتاجون إلى رعايته؛ ومراقبة خواطرهم ببصيرته؛ وهم قريبو عهد بمعاشرة الفاسقين.
عتب الله (تعالى) على كليمه هذا؛ وكان على موسى أن يعتذر عما كان منه؛ والله عليم بذات الصدور: