[ ص: 4850 ] الرسل جاؤوا بالتوحيد
وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين
هذه الآيات متصلة بما قبلها؛ فهي بيان إيجابي يعلم الناس أن النبيين جميعا كانت رسائلهم تدعو إلى التوحيد؛ وما جاؤوا إلا لبيانه؛ فهو تأكيد للدليل النقلي الذي أشار إليه قول النبي: "هذا ذكر من معي وذكر من قبلي "؛ يقول (تعالى) - مؤكدا هذا المعنى الخاص بالتوحيد -: وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون هنا نفي وإثبات؛ وهو نفي مستغرق استغراقا كاملا؛ فـ "من "؛ الثانية لاستغراق الرسل؛ وقوله: "من قبلك "؛ أي: الذين سبقوك؛ فما كنت بدعا من الرسل؛ إذا دعوت إلى التوحيد؛ فهو لب الرسالات كلها؛ وما عداه لا يمكن أن يكون دينا؛ بل هو أوهام باطلة لا تقوم على دعائم من حق؛ أو عقل؛ فالعقل يمنعها؛ والحق يجافيها. [ ص: 4851 ] إلا نوحي إليه بيان أن هذا التوحيد هو أمر من الله؛ ووحي من عنده؛ والعرب يعرفون الله (تعالى) بأنه الخالق الذي يلجؤون إليه في شدائدهم؛ ولا يعرفون غيره إذا أحيط بهم؛ فهو الذي أمرهم بالتوحيد على لسان كل الرسل: لا إله إلا أنا فاعبدون الضمير "أنا "؛ في محل رفع; ولذا جاء بضمير الرفع؛ وقوله (تعالى): "فاعبدون "؛ الفاء تفيد أن ما بعدها مسبب على ما قبلها؛ فإذا كان لا إله إلا هو فلا يعبد غيره؛ ولا يعد [قط] عبدا لله (تعالى) إلا إذا عبده وحده؛ فالإشراك على أي صورة من صوره ليس فيه عبادة لله (تعالى)؛ ولقد بين - سبحانه وتعالى - بطلان الذين يعبدون الأشخاص؛ كما بين بطلان عبادة الذين يعبدون الأوثان؛ فإن الجميع مشركون في العبادة؛ بيد أن الذين يعبدون الأشخاص يسرفون على أنفسهم فيدعون أنهم أبناء الله: