[ ص: 4876 ] من موسى وإبراهيم قصة
ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون وهذا ذكر مبارك أنـزلناه أفأنتم له منكرون ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم [ ص: 4877 ] هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين
هاتان قصتان لاثنين من الرسل؛ قصة موسى وهارون؛ وهما كرسول واحد؛ وقصة إبراهيم أبي الأنبياء؛ ويلاحظ - أولا - أنه ليس فيهما تكرار لما ذكر منهما في سور أخرى؛ وآيات أخر؛ فقصة موسى وأخيه هارون تكلمت الآيات الكريمات فيهما بإشارة لامحة؛ لا تفصيل فيها؛ وقصة إبراهيم كانت في تحطيمه للأصنام؛ والكيد لعبدتها؛ ومحاولة إحراقه بالنار؛ ومعجزة الله (تعالى) في أن أطفأها؛ وقال لها: كوني بردا وسلاما على إبراهيم ؛ وذلك لم يذكر من قبل؛ ولا من بعد؛ فدل هذا أنه لا تكرار في وإن بدا لمن لا يمحصون الحقائق غير ذلك. قصص القرآن؛
ثانيا: إنه - سبحانه - ذكر موسى - عليه السلام - قبل قصة قصة إبراهيم؛ مع أنه جده الأعلى؛ وذلك لأنه صاحب شريعة دونت في كتاب؛ وأنه أتى بهذا الكتاب؛ وأخذ به؛ حتى في النصرانية؛ التي جاءت من بعده؛ والقرآن ليس كتاب تاريخ حتى [ ص: 4878 ] ترتب أخباره ترتيبا زمنيا؛ كترتيب كتب التاريخ؛ إنما قصصه عبرة وذكرى لأولى الألباب؛ وإنما تذكر بمواضع العبرة؛ ومواطن الموعظة.
ثالثا: إنه كان تفصيل في -؛ لأنه أبو العرب؛ الذي كانوا يعتزون ويفتخرون به؛ ويقولون: إنهم ضئضئ قصة إبراهيم - عليه السلام إبراهيم وإسماعيل ؛ وهم كانوا يعبدون الأوثان؛ كما كان الذين بعث فيهم إبراهيم يعبدونها؛ هم وآباؤهم؛ وإن إبراهيم - عليه السلام - أثبت بالعمل أنهم لا يضرون؛ ولا يدفعون عن أنفسهم ضررا.
ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين الواو واصلة ما بعدها بما قبلها؛ "آتينا "؛ أي: أعطيناه؛ ومكناه منه؛ و "الفرقان "؛ هو التوراة؛ لأنها فرقت بين الحق والباطل؛ وبين قوم ليس لهم سلطان؛ وقانون يحكمهم في ماضيهم؛ وإن صاروا من بعدها لهم قانون يحكمهم؛ وسلطانهم من أنفسهم؛ كما قال (تعالى) منعما عليهم: وجعلكم ملوكا ؛ أي مستقلين؛ سلطانكم من أنفسكم.
وقال بعضهم: إن الفرقان هو نجاتهم في البحر؛ إذ فرق الله البحر؛ فصار كل فرق كالطود العظيم؛ وفي الحق إن الفرقان يشمل بعمومه كل فارق بين أمرين؛ فآتاه الله (تعالى) أن انفلق البحر بعصاه؛ وأخرج بني إسرائيل من الذل والهوان؛ إلى العزة والقوة؛ وأن يطبقوها؛ ويتحملوا واجباتها؛ وتبعاتها؛ حتى اضطر موسى لأن يتركهم يتيهون في الأرض أربعين سنة؛ ليتعودوا حياة البأس والقوة؛ ومهما يكن فإن الله (تعالى) آتى موسى كل ذلك؛ ولعل ذلك هو السر في قوله: ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ولم يقل (تعالى): "وأنزلنا الفرقان "؛ وقال: وضياء وذكرا للمتقين الضياء: النور الهادي المرشد؛ وهو هنا موسى - عليه السلام - بها؛ والتعبير عنها بالضياء من قبيل الاستعارة؛ فشبهت بالضياء؛ لأنها مرشدة هادية معرفة كالضياء؛ وهي نور؛ وهي ذات الضياء؛ وسماها - سبحانه وتعالى - "ذكرا "؛ لأنها مذكرة بالحق دائما؛ ولكن بشرط أن تكون قلوب متفتحة للحق؛ ولذا [ ص: 4879 ] قال (تعالى): "للمتقين "؛ أي: الذين امتلأت قلوبهم بالتقوى؛ ومخافة الله - سبحانه وتعالى -؛ ولذا قال في أوصافهم:
المعجزات التسع التي بعث الله (تعالى)