وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين "؛ وذا النون معطوف على ما قبلها؛ وهي مفعول لفعل محذوف خوطب به النبي - صلى الله عليه وسلم - تقديره: "اذكر "؛ أي: اذكر الذي غضب؛ وليس من شأن النبي الهادي أن يغضب؛ وقد عاقبه الله (تعالى) بضيق لتبرمه بقومه وغضبه عليهم لكفرهم؛ ولم يكن رفيقا بهم؛ يأخذهم بالهوادة؛ قصة ذي النون وذو النون هو يونس؛ صاحب الحوت؛ والحوت اسمه "النون "؛ "إذ ذهب مغاضبا "؛ "إذ "؛ متعلق بحال ذي النون؛ واذكر يونس في وقت ذهابه مغاضبا؛ أي متبادلا الغضب مع قومه؛ لأجل الله (تعالى)؛ لأنه دعاهم إلى الله وإلى التوحيد؛ فلم يستجيبوا له؛ فغاضبهم؛ وذهب عنهم معرضا؛ وذلك ليس شأن الداعي؛ إن المدعوين جهلاء؛ والداعي هو النبي فلا [ ص: 4909 ] يجوز أن يخاصمهم ويغاضبهم؛ وإلا زادهم نفورا؛ فالرفق يدني؛ والغضب يبعد؛ وهو بهذه المغاضبة خالف ربه؛ وقد حسب أن النبوة أمر هين لين؛ بل أشق أعمال البشر.
وقال (تعالى): فظن أن لن نقدر عليه هنا تأويلان لمعنى "أن لن نقدر عليه "؛ أولهما أن "نقدر "؛ في معنى فقدر عليه رزقه ؛ أي: نضيق عليه؛ فالمعنى: فظن أنه لن نضيق عليه؛ وحسب أن النبوة ليس فيها ضيق؛ وقد عاقبه الله (تعالى) بأن التقمه الحوت؛ فنادى في الظلمات أي: ظلمات جوف الحوت: أن لا إله إلا أنت سبحانك أي: تنزهت ذاتك؛ وفي هذا القول معنى الضراعة الكاملة؛ والالتجاء إلى الله وطلب نصرته؛ وإنقاذه؛ والاستغاثة به; ولذا قال - بعد -: "فاستجبنا له "؛ التأويل الثاني أن معنى قوله (تعالى): أن لن نقدر عليه أي: لا نقدر اليسر والفرج؛ وأحسب أن التأويل الأول أكثر ملاءمة للآية الكريمة؛ ولمقامه.