وهذا من شأنه أن يعرض عن الحق؛ ويضل غيره; ولذا قال - سبحانه -: ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق "العطف "؛ هو الجانب؛ و "ثاني "؛ اسم فاعل من "ثنى؛ يثني "؛ أي: لواه مستكبرا؛ أو معرضا؛ أو هما معا؛ أي: مع أنه يجادل في الله بغير أي نوع من العلم؛ بل [ ص: 4950 ] بجهالة جهلاء؛ مع ذلك يلوي عنقه مستكبرا معرضا؛ مفاخرا بما هو عليه؛ كما قال (تعالى): وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون ؛ وكما قال (تعالى): وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا
وإنهم بهذا يضلون غيرهم؛ لضعفهم؛ ولذا قال (تعالى): التفاخر بالباطل والكبرياء والاستعلاء ليضل عن سبيل الله أي: ليضل غيره عن طريق الحق؛ فاستعلاء الباطل يغري باتباعه؛ وإذلال أهل الحق يغري بتركه؛ إلا من ربط الله (تعالى) على قلبه.
وقد ذكر الله (تعالى) عند مغالبة الحق والباطل؛ فقال - عز من قائل -: له في الدنيا خزي يجعل كلمة الحق هي العليا؛ وكلمة الباطل هي السفلى؛ كما كان الخزي في "بدر "؛ و "الأحزاب "؛ وغيرهما؛ وذلك لا يعفيهم من عذاب الآخرة؛ ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق هو وضعه في جهنم المحرقة نارها؛ وعبر بـ "نذيقه "؛ لأن الإلقاء في الجحيم من غير أن يذوق حريق النار؛ ويلهب إحساسه بها؛ لا يدرك معه حقيقة العذاب؛ لأن العذاب في ذات الإحساس بالنار.