ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين "المنسك "؛ اسم مكان؛ من "نسك "؛ وهو مكان العبادة؛ والعبادة يطلق عليها: "النسك "؛ وقد اختار الله لأمة محمد البيت الحرام مكانا لنسكها؛ وأداء العبادة في والإقامة فيما حوله؛ وأن يكون الذبح؛ وإطعام الفقراء؛ حج البيت الحرام؛ ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام أي: يذكروا اسم الله (تعالى) عند ذبحها؛ شاكرين له نعمته؛ وإذا كان الله (تعالى)؛ شارع الشرائع؛ قد جعل لكل أمة منسكا هم ناسكوه; فذلك لأنه إلهكم؛ أنتم وغيركم؛ إله واحد؛ فكان للماضين من الأمم [ ص: 4984 ] منسك؛ لكل أمة؛ واحد؛ وإذا كان الله واحدا أحدا؛ فالمناسك كلها في ماضيها وحاضرها له - سبحانه -؛ وهو مبينها للماضين؛ كما بينها للحاضرين؛ وجعل منسك أمة خاتم النبيين هي مكة المكرمة التي بها بمكة المكرمة. البيت العتيق؛ أول بيت وضع للناس
والفاء في قوله (تعالى): فإلهكم إله واحد هي فاء الإفصاح; لأنها تفصح عن شرط مقدر؛ إذ المعنى إذا كان لكل أمة منسك فالله الذي شرع المناسك واحد؛ وكلها لعبادته والتقرب إليه - سبحانه وتعالى -؛ كذلك كان منسككم؛ وكان للماضين مناسك شرعها؛ فله أسلموا وبشر المخبتين الفاء عاطفة؛ "أسلموا "؛ أي: أذعنوا؛ وأطيعوا؛ متطامنين؛ غير متمردين؛ ولا متطاولين؛ ولا مستطيلين على أحد؛ ولذا قال (تعالى): وبشر المخبتين بالثواب الجزيل والنعيم المقيم؛ ورضوان الله (تعالى)؛ وهو أكبر الجزاء؛ فرضا الخالق بديع السماوات والأرض غاية أهل الإيمان العليا التي هي فوق كل مبتغى.
و "المخبت "؛ هو المتطامن المتواضع الذي لا يتعالى؛ ولا يستطيل على أحد؛ وقد قال الراغب الأصفهاني في مادة "خبت ": "الخبت ": المطمئن من الأرض؛ و "أخبت الرجل ": قصد الخبت؛ أو نزله؛ نحو "أسهل "؛ و "أنجد "؛ ثم استعمل الإخبات استعمال اللين والتواضع؛ "وبشر المخبتين "؛ أي: المتواضعين؛ فالتواضع سمة المؤمنين؛ والغطرسة سمة الكافرين؛ والذين لم يشرب قلوبهم حب الإيمان؛ وهم ليسوا أذلاء؛ بل هم الأعزاء؛ ولقد قال محمد - صلى الله عليه وسلم -: "ما نقصت صدقة من مال؛ وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا؛ وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ".