وإن نهاية هذا الإنسان في الدنيا هي الموت؛ ولم يخلق عبثا؛ بل يكون ولذا قال (تعالى): بعد الموت البعث; ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ؛ العطف بـ " ثم " ؛ في موضعه; لأن مؤداه أنهم بعد خلقهم في أحسن خلقة؛ ومنهم من يرده الله (تعالى) إلى أسفل السافلين؛ ويستمرون إلى أجل مسمى؛ ضلوا فيه أو اهتدوا؛ أخلصوا دينهم لله أو كفروا؛ وبعث فيهم الرسل مبشرين ومنذرين؛ إنهم بعد هذا الدور لميتون؛ وقد أكد - سبحانه - موت الناس؛ مع أنه واقع مشاهد؛ كل يوم يموت ناس ويولد ناس؛ وكان التأكيد بـ " إن " ؛ وبالجملة الاسمية؛ وباللام؛ وبالوصف؛ " ميتون " ؛ وكان ذلك التوكيد لكيلا يغتر الناس بغرور هذه الدنيا؛ وأنها إلى فناء؛ مهما طالت؛ وأن الحياة الآخرة هي الباقية الخالدة؛ في سعادة ونعيم؛ أو في شقاء وجحيم.
وفي التعبير بالوصف " ميتون " ؛ إشارة إلى أن حياتهم في الدنيا كأنها الموت؛ لأنه يترصدهم؛ فلا يغترون بغرورها؛ وبعد الموت يكون البعث؛ ولذا قال (تعالى): [ ص: 5056 ]
ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ؛ كان العطف بـ " ثم " ؛ له موضعه; لأن الأجسام تبقى في القبور؛ أو حيث تكون في أجزاء أخرى؛ كما قال (تعالى): قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة ؛ وقد أكد - سبحانه وتعالى - البعث؛ لأن الله (تعالى) لم يخلقنا عبثا؛ وقال - عز من قائل -: أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ؛
أكد الله - سبحانه وتعالى - البعث ليعظم إنكارهم له؛ ولقد بالغوا في إنكاره؛ كشأن الذين لا يؤمنون إلا بما يحسون؛ ولا يؤمنون بالغيب؛ وأكده - سبحانه - بـ " إن " ؛ وبالجملة الاسمية؛ وجعل ذلك يوم القيامة؛ والله - سبحانه وتعالى - هو الذي خلق وأبدع؛ وخلقه في الإنشاء دليل على قدرته على الإعادة.