[ ص: 5110 ] ولقد أمره - سبحانه - أن يسألهم سؤالا ثالثا: قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون ؛ " الملكوت " ؛ صيغة مبالغة تفيد الملك الممكن الذي لا سلطان إلا له؛ فالواو والتاء للمبالغة؛ كـ " جبروت " ؛ و " رهبوت " ؛ و " رحموت " ؛ وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى؛ و " من بيده " ؛ أي: من له السلطان والملك الكامل لأقصى أنواع الملك؛ وهو يقبضه كما يقبض صاحب الصولجان.
وقد صور الله - سبحانه وتعالى - اتساع سلطانه؛ وفرضه على كل إنسان؛ وكل شيء؛ بذي قوة؛ يضم إلى جواره من يشاء؛ ويمنعه من أن تصل إليه يد معتدية؛ لا يمكن أن يكون لأحد جوار يمنعه - سبحانه - من أن ينزل من الهلاك ما شاء؛ لمن شاء; لأنه فوق العالمين؛ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ؛ " إن كنتم تعلمون " ؛ وأتى بـ " إن " ؛ لأن حالهم من الشرك تدل على أنهم لا يعلمون؛ سيقولون لله ؛ التعدية باللام لتضمن السؤال معنى الملك والسلطان؛ أي أن الملكوت كله لله (تعالى).
أمر الله (تعالى) نبيه بقوله: قل فأنى تسحرون ؛ الفاء أيضا لترتيب ما بعدها على ما قبلها؛ أي: يترتب على علمهم بأن الله (تعالى) خالق الأرض؛ ومن فيها؛ والسماوات السبع؛ وربوبيته للعرش ولها؛ وكونه صاحب السلطان الأعظم؛ يترتب على كل هذا أن يسألوا: كيف يسحرون؟ أي: ينخدعون ويميلون عن الحق الراكز في نفوسهم إلى الباطل الذي هو أوهام مخيلة؛ وليس حقائق ثابتة معلومة لكل ذي فكر وعقل وإدراك؛ و " أنى " ؛ هنا؛ بمعنى " كيف " ؛ كـ " أنى " ؛ في قوله (تعالى): نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم
فهذه الآيات تبين كيف تسيطر الأوهام على ذوي الأهواء الذين لا يفكرون؛ وتقاوم الحقائق الثابتة لديهم؛ وتسيرهم مع مخالفتها لكل معقول؛ ولما كان عندهم من علم سابق؛ ولقد قال (تعالى):