[ ص: 5114 ] ما يوعدون من عذاب
قال (تعالى): قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون
في هذه الآيات الكريمة تهديد بما أعده الله (تعالى) من عذاب للمشركين؛ بعد أن بين لهم بالأدلة القاطعة أن الشرك باطل؛ وأن النفوس المنحرفة تخاطب بالدليل الهادي المرشد؛ فإن لم تجد الهداية المرشدة؛ والبراهين الساطعة كان الإنذار الشديد؛ وقد برهن فبقي الإنذار؛ ابتدأ - سبحانه - الإنذار الشديد بأن أشار للنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أنه إنذار لا يقع في نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله؛ وأنه يحسن أن يطلب رؤيته؛ فقال: قل رب إما تريني ما يوعدون ؛ ابتدأ القول بالنداء بـ " رب " ؛ لبيان أن ذلك الذي ينذر به من مقتضى الربوبية؛ لأن مقتضى الربوبية أن يجزى المحسن إحسانا؛ والمسيء بما يستحق؛ فلا يستوي الأعمى والبصير؛ ولا الظلمات ولا النور؛ إما تريني ؛ " إما " ؛ هي " إن " ؛ مدغمة في " ما " ؛ و " ما " ؛ جاءت لتوكيد فعل الشرط؛ ولذلك جاءت نون التوكيد الثقيلة رادفة [ ص: 5115 ] لتوكيد " ما " ؛ والجواب محذوف لتذهب النفوس فيه كل مذهب؛ وفي ذلك إشارة إلى هوله؛ وأنه لا تكتنه العقول كنهه؛ و " ما " ؛ في قوله (تعالى): ما يوعدون ؛ " ما " ؛ هنا؛ موصولة بمعنى " الذي " ؛ وإن الله (تعالى) وعدهم بالعذاب في الدنيا؛ والعذاب في الآخرة؛ أما في الدنيا فالنصر الذي وعد الله (تعالى) به نبيه الأمين؛ والذي كان له فيه الغلب؛ وكان النصر حليفه دائما؛ ولم يهزم؛ ولا في " أحد " ؛ وأما عذاب الآخرة فهو الجحيم؛ خالدين فيها؛ وبئس المصير.