[ ص: 5152 ] قال (تعالى): ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم ؛ " لولا " ؛ حرف؛ يقول النحويون: إنه حرف امتناع لوجود؛ أي: امتنع وقوع الجزاء لوجود الشرط؛ والجزاء؛ لبيان أنه كبير عظيم لا يكتنه كنهه؛ ولا تتصورون وأنتم تفعلون هذه الأفعال نتائجها؛ ولو كان القرآن يساير أهواءكم لكان الويل والثبور؛ وعظائم الأمور؛ فكنتم تتقاتلون على الأعراض؛ ولقطعتم الأرحام؛ ولضاعت مصالح الإنسان؛ ولشاعت الفاحشة في الدين؛ فجواب الشرط محذوف؛ لسعة عمومه؛ وكثرة آثامه؛ إذا لم يتداركهم بفضله في أحكامه الرادعة؛ وأحكامه التي تجمع ولا تفرق؛ وفضل الله (تعالى) ظاهر في أحكامه في الزنا وفي القذف؛ وفي جمع شمل الأسرة في اللعان.
وقد فتح - سبحانه وتعالى - باب التوبة في قوله (تعالى): وأن الله تواب حكيم ؛ أي: لولا فضل الله - سبحانه وتعالى - فيما شرع وقرر أنه يقبل التوبة عن عباده؛ ويعفو عن سيئاتهم؛ ولحكمته فيها قرر؛ وقدر وشرع؛ لكان الهول العظيم؛ وضياع الأمور.
ووصف الله - سبحانه وتعالى - نفسه بأنه تواب؛ أي: كثير التوبة للمذنبين من عباده؛ رحمة بهم؛ وتهذيبا لنفوسهم؛ وذلك لأن المذنب إذا أذنب وأحس بذنبه؛ ذهب عنه غروره؛ وتضرع إلى ربه؛ والإحساس بالمعصية؛ وطلب العفو عنها؛ يقربه من الله (تعالى) ويدنيه منه؛ ولذا قال بعض حكماء الصوفية: معصية مذلة؛ خير من طاعة مدلة؛ ومعصية أورثت ذلا وانكسارا؛ خير من طاعة أورثت دلا وافتخارا؛ والله عفو غفور.