ولقد بين الله (تعالى) فقال - عز من قائل -: ما يجب على أهل الإيمان عند شيوع قالة السوء؛ لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين ؛ " لولا " ؛ للتحضيض على ظن الخير من المؤمنين والمؤمنات بأنفسهم خيرا؛ فإذا تلقى المؤمن والمؤمنة خبرا احتمل الصدق والكذب؛ وفيه شر؛ يسارع إلى رده؛ ويقول: هذا إفك مبين؛ أي: بين واضح؛ وخصوصا إذا كان ذلك الخبر يمس من عرف بالطهر والعفاف؛ ومن يكون من شأنهم الطهر والعفاف والأمانة والإخلاص; وذلك أن الناس في تلقي أخبار السوء قسمان؛ أحدهما يظن في المؤمن الخير؛ ويحمل كل أحواله على الصلاح؛ فلا يقبل الإفك عليه؛ ويكذبه؛ ويقول: هذا إفك مبين بين واضح؛ ويرى من الصلاح في حال المؤمنين دليلا على الكذب؛ ودافعا إلى التكذيب.
والقسم الثاني: وهو الخاضع للشيطان؛ يحسبه نهزة فينتهزها لإشاعة السوء؛ والسمر به في المجالس؛ ويجعله ملهاته ويغتاب أخاه المؤمن؛ ويأكل لحمه؛ ويعبث بكرامته مستهينا متندرا عابثا؛ وهذا يكبر أخبار السوء؛ فيشيعها؛ وقد نماها الخيال الفاسد؛ والعبث العابث.
وفي الآية الكريمة إشارتان بيانيتان؛ [ ص: 5158 ] أولاهما في قوله (تعالى): ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم ؛ فالتعبير " بأنفسهم " ؛ يشير إلى الأخوة الإسلامية الرابطة التي تجعل إشاعة السوء عن بعضهم إشاعة عن جميعهم؛ وتوهينا للرابطة التي تربطهم؛ وإشاعة السوء تنبعث من تفكك في بعض الجماعة وتنتهي إلى تفككها كلها؛ وتذهب بالذمار الخلقي فيها؛ الثانية: ذكر " المؤمنات " ؛ مع أن كل حكم؛ أو أمر؛ يعم المؤمنين والمؤمنات؛ من غير نص على المؤمنات؛ ولكن نص على المؤمنات هنا; لأن النساء كثيرا ما يقعن في هذا النوع من الغيبة؛ من غير احتراس؛ ولا تحفظ؛ ألم تر إلى أن حمنة بنت جحش وقعت في إشاعة هذا الإفك؛ تحسب أن في ذلك ما يرضي أختها أم المؤمنين وهذه كانت برة تقية؛ كانت تنفي عن زينب؛ ولا تقر كلام أختها؛ بل ترده؛ وبالتعبير بالوصف في المؤمنين والمؤمنات يشير - سبحانه - إلى أن الإيمان يقتضي ذلك؛ والله على كل شيء شهيد. عائشة