وبعد هذا الأدب الكريم الذي يعم ولا يخص وابنته؛ بين بعد ذلك الصديق فقال - عز من قائل -: عقاب الذين يرمون المحصنات؛ إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم ؛ هذه الآية عامة في كل من يرمي محصنة؛ وهي التي عرفت بالتقوى والبعد عن الخنا؛ وليس موضوعه من رمى - رضي الله عنها - بل من يكون لسانه غير منضبط؛ يرسل القول إرسالا بين المؤمنين في المحصنات؛ فهي تعم كل من ليس عفيف اللسان؛ يرمي النساء بالفحش؛ لأدنى شبهة؛ وإن الكامل يعف لسانه عن النطق بالهجر. عائشة
و " المحصنة " ؛ هي التي لم ترتكب الخنا؛ وهي عفيفة؛ عرفت بالعفة؛ ولم تعرف بالفجر؛ " الغافلات " ؛ " الغافلة " ؛ هي الطيبة الطاهرة؛ التي ليس عندها خبرة؛ ولا معرفة بأحوال الناس؛ وشأن المرأة التقية أن تكون في غفلة عما يلهو به الناس؛ لا تعرف الرذيلة ولا ترتكبها؛ فيها غرارة؛ وسذاجة؛ والمؤمن كما في الأثر: " غر كريم؛ والمنافق خب لئيم " ؛ وليس المراد أنها بلهاء؛ بل تفسر الغافلة بأنها الساذجة المستقيمة النفس التي تعيش بالفطرة؛ ولا تجانفها؛ وقد قال في تفسير معنى " الغافلات " : " الغافلات " : السليمات الصدور؛ التقيات القلوب؛ اللاتي ليس فيهن [ ص: 5171 ] دهاء؛ ولا مكر؛ لأنهن لا يعرفن الأمور؛ ولم يرزن الأحوال فلا يفطن لما تفطن له المجربات العارفات. الزمخشري
وإن الغافلات أيضا لا ينتبهن لمقالات الآثمين؛ ولا يعملن على ردها؛ وسوق الفاسدين إلى القضاء ليقام عليهن حد القذف؛ وقذف هؤلاء أعظم جرما؛ وأدل على اللجاجة في الأذى؛ والاستهتار في القول؛ من غير تأثم؛ ولا تحرج؛ " المؤمنات " ؛ أي: اللاتي يجملهن الإيمان؛ ويزيدهن عفة فوق عفتهن؛ بالفطرة السليمة النقية الطاهرة؛ وقد ذكر - سبحانه - عقاب خسة هؤلاء الذين يرمون المحصنات الغافلات؛ فقال: لعنوا في الدنيا والآخرة ؛ أي: طردوا ونبذوا في الدنيا؛ فليس لهم فيها ذكر طيب؛ ولا كرامة لهم؛ ولا احترام لخساسة نفوسهم؛ ولعنوا في الآخرة؛ فهم مبعدون عن رضا الله؛ وعن أن ينظر إليهم؛ ولا يكلمهم؛ لأنهم قد دنسوا ألسنتهم بإشاعة هذا الهجر من القول؛ ولهم عذاب عظيم ؛ وهو دخولهم في الجحيم.