ثم ذكر بعد ذلك آية أخرى؛ فقال: يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ؛ بعد أن ذكر - سبحانه وتعالى - قدرته وإنعامه على خلقه بالماء؛ بين نعمته في الليل والنهار؛ فقال: يقلب الله الليل والنهار ؛ والتقليب معناه أن يجعل أحدهما في موضع قلب الآخر؛ وتقليب الليل والنهار يبدو في أمرين؛ أولهما في أن يكون الليل والنهار خلفة؛ فيكون أحدهما خلفة للآخر؛ فيسلخ الليل من النهار؛ والنهار من الليل في نظام مستمر.
ثانيهما: أن يكون النهار أطول صيفا؛ وأن يكون الليل أطول شتاء؛ في نظام مستمر لا يتخلف؛ قد يفسر العلم ظواهره؛ ولكن لا يستطيع تغييره؛ ولا إنشاءه؛ فالعلم يحصي الوقائع؛ ولا يوجدها؛ ذلك تقدير العزيز العليم؛ ولذا قال (تعالى): إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ؛ " العبرة " ؛ في مدلولها الخاص؛ بمعنى: الاعتبار؛ والمؤدى لها أن تأخذ من الحاضر المشاهد دلالة على الغائب غير المشاهد؛ فيأخذ المستبصر من رؤية تقلب الليل والنهار؛ وانتظامه بإحكام؛ ودوامه؛ دليلا على أن إرادة حكيمة متصرفة تفعل ذلك؛ بتدبير وإحكام؛ وخص أولي الأبصار بالعبرة; لأنهم يدركون [ ص: 5207 ] ببصرهم ما يحسون؛ وما يرون؛ ويدركون ببصيرتهم ما وراء هذا الذي يحسون به من قدرة باهرة.