الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          هذا مقال المنافقين وضعفاء الإيمان؛ أما مقال المؤمنين؛ فقد ذكره بقوله - تعالت كلماته -: إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ؛ [ ص: 5213 ]

                                                          بعد أن بين - سبحانه - حال المنافقين وضعاف الإيمان؛ بين أقوال المؤمنين وأحوالهم؛ فقال - سبحانه وتعالى - عن أولئك المؤمنين: إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ؛ " إنما " ؛ للحصر؛ وتدل على القصر؛ و " كان " ؛ هنا؛ تدل على الدوام والاستمرار في الماضي والحاضر والقابل؛ و " قول " ؛ خبر " كان " ؛ وقوله (تعالى): أن يقولوا سمعنا وأطعنا ؛ [اسمها]؛ ويكون مؤدى الكلام السامي: إنما كان قول المؤمنين المستمر الدائم؛ إذا دعوا إلى الله ورسوله؛ أي: حكم القرآن والسنة؛ وهو حكم الله ورسوله؛ هو قولهم سمعنا ؛ دعوة الله ورسوله ليحكم بيننا؛ وأطعنا ؛ قولهما؛ ووحد الحكم؛ وعاد الضمير عليهما بضمير الواحد؛ لأن الحكم واحد؛ إذا أمر الله رسوله به نفذه ودعا إليه؛ ولا قول لهم سوى ذلك؛ بل قولهم مقصور عليه؛ وهم مقصورون عليه؛ لا قول لهم غيره؛ فلا مرض في قلوبهم؛ ولا امتراء في إيمانهم؛ ولا هوى يتحكم فيهم فيتبعون حكم الله إن صادف أهواءهم؛ ويعرضون عنه إن لم يصادف هذه الأهواء؛ فهواهم هو الذي يحكمهم؛ لا الحق هو الذي يحكمهم.

                                                          وقد حكم الله (تعالى) لهؤلاء الذين قالوا: سمعنا وأطعنا؛ بقوله (تعالى): وأولئك هم المفلحون ؛ أي: الفائزون؛ وقد فازوا بالحق; لأن الحق في ذاته قوة واطمئنان وسعادة لمن ذاقه وعرفه؛ وهو اطمئنان النفوس واستقرارها؛ وفازوا عند الله (تعالى) برضاه؛ وهو أكبر الفوز؛ وأعظمه؛ والإشارة إلى أولئك المتصفين بالطاعة وسماع الحق والإيمان به والإذعان له؛ وهنا قصر واختصاص؛ وذلك بتعريف الطرفين؛ أي: أولئك وحدهم هم المفلحون؛ ولا فلاح لسواهم؛ وقد أكد - سبحانه - فلاحهم بالقصر.

                                                          وهنا نشير بكلمة موجزة عن حال المسلمين بعد ضعفهم؛ واستخذائهم؛ وركوب النصارى واليهود عليهم؛ لقد ارتضوا القوانين الأوروبية بديلا لأحكام القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؛ حاسبين أن ما عند النصارى هو الخير؛ وما عند غيرهم لا خير فيه؛ حتى إنه لو دعا داع إلى أحكام الله ورسوله في كتابه وسنة نبيه؛ رموه [ ص: 5214 ] بأنه رجعي؛ وأنه يريد أن يعود بالأمة إلى الوراء؛ ويقولون: تقدم الأمة أمامها لا وراءها.

                                                          وفي الحق إننا إذا دعونا إلى تطبيق حكم القرآن والسنة؛ إنما ندعو إلى الحق في ذاته؛ وإلى العدل؛ وإن القرآن إذ يدعوهم بالحق والعدل في ذاته الذي لا يفرق بين الناس؛ تدعوهم الأمة النصرانية إلى تحكيم الأعراف؛ من غير نظر إلى كونه عدلا أو باطلا؛ ويقولون: بل نتبع أعراف الناس؛ وما أشبه هذا بقول المشركين: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ؛ وإننا نترك حكم القرآن؛ وهو النور؛ وهو الحق؛ وهو العدل؛ وهو الفضيلة؛ وهو حبل الله الممدود؛ إلى يوم القيامة؛ ونأخذ بالأحكام التي تبيح الزنا وشرب الخمر والربا والسحت؛ وأكل أموال الناس بالباطل؛ وأحكام الله هي العدل؛ كما تشهد الفطرة؛ وكما يشهد الإنصاف؛ نترك الحق ونأخذ بالجبت والطاغوت؛ فهل نحن مؤمنون؟!

                                                          إنه لا قوة لنا إلا إذا كنا عدولا فيما بيننا؛ ولا نكون عدولا حقا إلا إذا أقمنا كتاب الله وسنة رسوله؛ وتركنا وراءنا ظهريا تلك القوانين؛ فهي الطاغوت؛ وهي والفضيلة؛ نقيضان لا يجتمعان.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية