حشر الكافرين وما يعبدون
قال (تعالى): ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا
الكلام السامي في قوله (تعالى): ويوم يحشرهم وما يعبدون ؛ الغيبة; لأنه حديث عن جلال الله (تعالى)؛ وعظمته؛ وما يكون يوم القيامة من خطاب له - سبحانه -؛ وبذاته العلية؛ لمن يشاء أن يكلمهم؛ وهم الأبرار الذين يسعدهم رب [ ص: 5260 ] البرية بكلامه معهم؛ ونظره - سبحانه - إليهم نظرة تقريب؛ وإيناس؛ وما لا يشاء لا يكلمهم؛ ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم؛ وما يجري يوم القيامة في هذا الحديث هو للذين ينكرون البعث ويشكون؛ فكانوا غير جديرين لأن يخاطبهم بذاته العلية؛ لأنهم لا يكلمهم؛ ولا ينظر إليهم؛ فناسب ذلك ضمير الغياب؛ وهناك قراءة بضمير المتكلم؛ إلقاء للهيبة في نفوسهم؛ وليس خطابهم إلا للوم والتأنيب؛ ويجوز أن يكون الخطاب من الملائكة؛ ونسب إليه - سبحانه -؛ لأنه هو الذي أمر؛ والذين يعبدون يشمل العقلاء الذين عبدوهم؛ كالملائكة؛ وعيسى؛ وعزير؛ وكرشنة في البرهمية؛ وبوذا في البوذية؛ كما يشمل الأوثان؛ والنار؛ وغيرهما مما لا يعقل.
وقد اتجه القول يوم القيامة إلى المعبودين في الدنيا من العقلاء وغيرهم؛ اتجه القول إليهم: فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء ؛ الفاء للإفصاح; لأنها تفصح عن شرط مقدر؛ والسياق هكذا: " وإذا حشروا وما يعبدون يقول لهم... " ؛ والسؤال: أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء؟ والإشارة تعود إلى الذين عبدوا غير الله؛ من يهود؛ ونصارى؛ ووثنيين؛ ورومان؛ وعرب؛ هذا الشطر الأول من المعادلة؛ والشطر الثاني: أم هم ضلوا السبيل؟ والسؤال: أهؤلاء الذين عبدوكم؛ أنتم أضللتموهم بالدعوة إلى عبادتكم؛ أم هم ضلوا الطريق الموصل إلى الحق؛ بالأوهام التي غشت عقولهم؛ والشهوات التي أفسدت نفوسهم؛ والمتع الدنيوية التي ألهتهم؟!