ومن أحوال المؤمن السلبية؛ وإن جاء بشكل فيه مظهر إيجاب ما ذكره - سبحانه وتعالى - بقوله: [ ص: 5323 ]
والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا ؛ ذكروا بآيات ربهم بأن تليت عليهم آياته؛ إن كانت متلوة؛ أو ذكروا بآية كونية في خلقه السماوات والأرض؛ وإبداعه في خلق الإنسان؛ لم يخروا عليها صما وعميانا ؛ " الخرور " ؛ في اللغة؛ يطلق على السقوط الذي يكون صوتا؛ أو النزول من أعلى إلى أسفل نسبيا بصوت؛ كخرور الماء؛ فإنه نزول من مكان يعلو نسبيا؛ إلى ما دونه؛ و " الخرور " ؛ قد يكون معنويا؛ بالسجود لله (تعالى): خروا سجدا وبكيا ؛ وإن خرور السجود حسي معنوي؛ فهو ينزل ساجدا لله (تعالى)؛ فيلتقي فيه الخرور الحسي؛ والخرور المعنوي.
ومعنى النص السامي أنهم إذا ذكروا بآيات الله (تعالى): لم يخروا عليها صما وعميانا ؛ و " الصمم " ؛ و " العمى " ؛ هنا؛ يراد به عدم الاعتبار بالآيات؛ فكأنهم صم لم يسمعوا؛ أو عميان لم يروا؛ وهذه أخلاق المشركين؛ فهم الذين يخرون كالصم والعمي لا يعتبرون؛ ولا يدركون؛ وليس المراد وصف المشركين بهذا الوصف السلبي؛ فقط؛ بل إنه وصف المؤمنين عباد الرحمن بأنهم على نقيض وصف الظالمين؛ يخرون سجدا وبكيا؛ فهم ليسوا كأخلاق هؤلاء لا يعتبرون؛ بل وفي كل عبرة يعتبرونها؛ وينظرون إلى خلق الله (تعالى) نظرة مدركة مستبصرة مستهدية طالبة الرشاد؛ فهذا النص يشتمل على نفي الحال التي يكون عليها المشركون؛ فهم لا يخرون صما وعميانا؛ بل يخرون ناظرين مدركين متفهمين؛ كقول يعتبرون؛ ويخرون لله في كل آية يسمعونها؛ العرب: " مثلك لا يبخل " ؛ فالمراد به في كلام العرب: " أنت لا تبخل " .
وهنا إشارة بيانية نذكرها؛ وهي أن الله (تعالى) يقول: لا يخرون صما وعميانا؛ بنفي الخرور؛ وفي ذلك إشارة إلى أن الآيات التي تتلى؛ أو توجه الأنظار في المخلوقات؛ من شأنها أن تجعل من يتأملها ويسمعها أن تجعله يخر خرورا لوضوح إعجازها ودلالتها؛ لكن عباد الرحمن يخرون سجدا وبكيا؛ والكافرون يخرون صما وعميانا.