قال (تعالى) - مخاطبا الخارجين عن طاعته؛ وفيه التفات من عباد الرحمن إلى المشركين -: قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ؛ الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليوجه إلى المشركين خطاب الله (تعالى)؛ وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يخاطبهم بهذا الخطاب; لأنه نبيهم المرسل; ولأنهم يعاندونه ويتحدونه؛ ويكفرون؛ فأمره - سبحانه - بأن يذكر لهم أن الله (تعالى) لا يباليهم؛ ولا يهتم لهم؛ لولا تصحيح اعتقادهم. [ ص: 5327 ] و " ما " ؛ نافية؛ ومعنى " ما يعبأ " : لا يبالي؛ ولا يحمل عبئكم؛ لولا دعاؤكم؛ أي: لولا عبادتكم عبادة صحيحة تؤمنون فيها بالواحد؛ فالدعاء هنا العبادة؛ ودعاء الله عبادته؛ أي أنه - سبحانه - لا يهتم بكم إلا لأجل تصحيح عبادتكم؛ ويصح أن يقال: إن الدعاء هنا هو دعوتهم إلى العبادة الصحيحة؛ والمؤدى واحد؛ وفي الأول يكون " دعاؤكم " ؛ الدعاء منهم لله (تعالى)؛ وفي الثاني يكون الدعاء من الله ورسوله إليهم ليعبدوه - سبحانه وتعالى.
وجعل بعضهم اللفظ يحتمل هذا المعنى: لولا دعاؤكم الأوثان وعبادتهم؛ وذلك ضلال في عقولكم؛ وأفن في أنفسكم؛ والله لا يرضى لعباده هذا الضلال؛ ونحسب أن التخريج بعيد في تأويله وتفسيره.
وقال (تعالى): فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ؛ الفاء للسببية؛ أي: لا يبالي - سبحانه - بكم؛ لولا أنه يدعوكم بالحق؛ وبسبب تكذيبكم لا يعبأ بكم؛ لا يبالي فسوف يكون لزاما ؛ الفاء عاطفة؛ وسوف لتأكيد الوقوع في المستقبل؛ و " اللزام " ؛ مصدر " لازم " ؛ فمصدر " فاعل " : " فعال " ؛ و " مفاعلة " ؛ وهو ملازمة العذاب لهم؛ وقد قال (تعالى): ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى
ومعنى النص في الآية الكريمة السامية: لا يبالي بكم ربكم لولا دعاؤكم أن تعبدوا الله وحده؛ ولكن كذبتم دعوة الحق وأصررتم على تكذيبكم؛ فسوف يكون العذاب ملازما لكم؛ وتكونون خالدين فيه.