[ ص: 5376 ] نوح من قصص قوم
قال (تعالى): كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين فاتقوا الله وأطيعون قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون قال وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم
جاءت قصة إبراهيم بعد قصة موسى; لأن موسى قاوم أشد طواغيت الدنيا وأهلكه الله (تعالى) بعد المعركة؛ وذلك فيه إيذان بأن محمدا سيهزم الجمع من المشركين؛ ويولون الدبر؛ وجاء بعده قصص من إبراهيم؛ تأديبا للعرب؛ لأنه أبوهم الذي يشرفون بمحتده؛ ويحتمون بمسجده؛ أول بيت وضع للناس؛ ولعلهم يهتدون بهديه؛ ويطيعون بطاعته؛ ويتأدبون بأدبه. [ ص: 5377 ] وجاء من بعد بقصص من قصص نوح؛ الأب الثاني للخليقة؛ وفيه ذكر شذوذ الكافرين من العرب؛ ولذلك ابتدأ - سبحانه - القصص بتكذيبهم؛ ولم يبتدئه برسالة نوح - عليه السلام -؛ فقال (تعالى): كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون " ؛ كذبت قوم نوح المرسلين ؛ ابتدأ القول الكريم بتكذيب قوم نوح للمرسلين؛ أي أن طبعهم؛ وما آل إليه أمرهم أنهم يكذبون الرسالة الإلهية على لسان رسول يبشر وينذر؛ فهم لا يكذبون نوحا وحده؛ وإنما يكذبون أصل الرسالة الإلهية؛ لأنهم ماديون لا يؤمنون إلا بالمادة؛ ولا يؤمنون بالغيب؛ ولب الإيمان هو الإيمان بالغيب؛ فلا إيمان لمن لا يؤمن بالغيب.
إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون ؛ " إذ " ؛ ظرف للماضي؛ متعلق بقوله: كذبت قوم نوح المرسلين ؛ كأنهم جابهوا نوحا - عليه السلام -؛ وهو يقول لهم: ألا تتقون ؛ بإنكار أصل الرسالة؛ وكأنهم يقولون: ما لنا ورسالتك؛ ورسالة غيرك؟! وقوله: ألا تتقون ؛ ألا للتحريض والحث على التقوى؛ وما أجدر كل منكر جبار أن يطالب بالتقوى؛ واتخاذ وقاية لأنه يكون مغرورا؛ وكل من يتدلى بالغرور يطالب باتخاذ وقاية ليمتلئ بالتقوى؛ و[من] وراء التقوى الإيمان.
إني لكم رسول أمين ؛ أكد رسالته لهم بـ " إن " ؛ المؤكدة؛ وتقديم الجار والمجرور " لكم " ؛ أي: لكم خاصة؛ ووصف نفسه بالأمانة؛ والأمانة تقتضي ألا يكذب على الله؛ فيدعي عليه الرسالة؛ وهو لم يرسله؛ وتقتضي الأمانة فيما يخبرهم؛ ومع الأمانة الرعاية والمحبة والإخلاص لهم؛ والبر بهم.
ولأنه رسولهم الذي أرسل إليهم؛ طالبهم بتقوى الله والطاعة؛ فقال: فاتقوا الله وأطيعون ؛ أي: أطيعوني؛ لأن - هنا - ياء المتكلم مقدرة في القول؛ بدليل كسر النون؛ المنبئ عنها؛ طالبهم بأمرين: تقوى الله؛ لأن قلوبهم جامدة جافية عن ربها؛ إذ ليس فيهم إيمان بشيء؛ ولا خوف من حاضر ولا غائب؛ ولا علاج للنفس اللاهية الجافية إلا بالتقوى؛ أو الدعوة إليها؛ والأمر الثاني: ومهابة الله والخضوع له. [ ص: 5378 ] والفاء في قوله (تعالى): طاعة الرسول؛ ولا سبيل لطاعته إلا أن تمتلئ نفوسهم بالتقوى؛ فاتقوا الله ؛ لترتيب ما بعدها على ما قبلها؛ أي: بسبب أن الرسول أمين لكم؛ اتقوا الله وأطيعون؛