وبماذا أجاب المشركون تلك الموعظة الهادية الزاجرة؟ قالوا إنما أنت من المسحرين ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين ؛ يظهر أن هذا القول الطيب سرى في نفوسهم؛ ولكنهم بدل أن ينطقوا بالحق ويذعنوا له؛ نطقوا بالباطل؛ قالوا إنما أنت من المسحرين ؛ " المسحر " ؛ هو الذي أوتي علم السحر؛ فكانت له قدرة على الإتيان بالقول الخادع الذي يوجد تخييلات الحق؛ وليس بحق؛ وإنك بهذا التسحير الذي علمته تصرف الأنظار عن الحق؛ فتسحر فكر الناس كما يسحر الساحر أعين الناس؛ ويسترهبهم بفعله؛ وقولهم هذا فيه قصر له على أنه من المسحرين؛ وذلك لأن " إنما " ؛ من أدوات الحصر؛ ولقد رمى المشركون كتاب الله (تعالى)؛ فقالوا: إنه قول ساحر.
وأكد ذلك بقولهم من بعد؛ كما أكدوا جحودهم؛ بقولهم: ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين ؛ أي: لا يمكن أن تكون رسولا؛ لأنك لست إلا بشرا مثلنا؛ وكذلك قال المشركون لمحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ قالوا: مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق
أي أنه لا يكفي لإثبات رسالتك ما قلت؛ ما دمت بشرا مثلنا؛ فأت بآية؛ أي: دليل يدل على أنك رسول من قبل رب العالمين؛ إن كنت من الصادقين؛ ويظهر أنهم كانوا زراعا؛ ذوي أنعام وإبل؛ فجاءت المعجزة من قبل ما يألفون؛ ويربون؛ وهو أنه أتى لهم بناقة؛ هي ناقة الله؛ وقد كان على علم بالجمال؛ وخواصها؛ وخصوصا إناثها؛ كما كان قوم فرعون على علم بالسحر؛ يعلمون ما هو سحر؛ وما ليس بسحر؛ كذلك هؤلاء يعلمون ناقة الله من بين نوق البشر؛ قال لهم صالح: