وقد قص - سبحانه وتعالى - [ ص: 5443 ] قصص سليمان الذي ورث ملك داود بالموارثة الملكية؛ فقال: وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين ؛ ذكر الله (تعالى) وراثة سليمان لأبيه في ملكه؛ فقد ورث هذا السلطان؛ ولم يرث الرعية؛ فالرعية لا تورث؛ ولا يمكن أن تورث؛ وهذا خطأ بعض الذين تولوا الملك بالوراثة؛ فحسبوا أن الرعية شيء يورث؛ إنما الذي يورث هو الحكم؛ ولا يكون إلا بوراثة يقرها الشرع؛ كوراثة سليمان لداود؛ وقد أباحها الحكم الرباني؛ ليجتمع شمل بني إسرائيل أمام من ظلموهم؛ وأرهقوهم من أمرهم عسرا.
أخذ سليمان يبين لقومه ما أعطاه الله (تعالى) من مؤهلات الحكم؛ وما اختصه؛ فقال: يا أيها الناس علمنا منطق الطير ؛ أي: علم لغة الطير؛ وعرف ما تدل عليه أصواتها من معان تقصدها وتريدها؛ وذلك يدل على مقدار تمكين الله (تعالى) له في ملكه وفي سلطانه عليهم؛ وأن الطير والدواب أمم أمثالنا؛ لها لغة؛ ولها منطق؛ وعبارات مفهومة؛ كما قال (تعالى): وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون
وقد ذكر الضمير ضمير الجمع؛ لبيان مكانته من السلطان؛ وما أعطاه الله من قوة؛ وذكر أنه لم يؤته الله (تعالى) منطق الطير فقط؛ بل آتاه من كل شيء؛ ولذا قال الله (تعالى) - عنه -: وأوتينا من كل شيء ؛ أي: من كل شيء علما؛ فعلمنا منطق النمل؛ ومنطق الأحياء كلها؛ وأوتينا علم القيادة؛ وعلم الحكم العادل؛ والضمير ضمير الجمع؛ لبيان سيطرة السلطان العادل؛ وقيل: الضمير له ولأبيه؛ ولكن لم يرد في القرآن ما يدل على معرفة داود منطق الطير؛ والنمل؛ وغيرهما من الأحياء؛ والله ذو الفضل العظيم؛ ولذا قال: إن هذا لهو الفضل المبين ؛ أي أن هذا العلم لهو الفضل الواضح المبين للحق والسلطان؛ وقد أكد - سبحانه - فضل الله (تعالى) عليه؛ وعلى أبيه من قبله؛ بـ " إن " ؛ وباللام؛ وبضمير الفصل.