[ ص: 1350 ] وقد بين سبحانه حالهم في ذلك اليوم فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=30349_30351_30532_30539_30564_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106يوم تبيض وجوه وتسود وجوه والتعبير عن الحق بالبياض، وعن الباطل بالسواد، مجاز عربي مشهور، كوصف الحق بأنه نور، ووصف الباطل بأنه ظلام، ووصف الوجوه بالبياض مجاز عن إشراق القلوب بالمعرفة، وامتلائها بالنور؛ ووصف الوجوه بالسواد مجاز من إظلام القلوب، وانطفاء نورها، ولقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في تحقيق هذا المعنى اللغوي: " البياض من النور، والسواد من الظلمة، فمن كان من أهل نور الحق وسم ببياض اللون وإسفاره وإشراقه وابيضت صحيفته، وأشرقت، وسعى النور بين يديه وبيمينه، ومن كان من أهل ظلمة الباطل وسم بسواد اللون وكسوفه وكمده، واسودت صحيفته وأظلمت، وأحاطت به الظلمة من كل جانب. نعوذ بالله وبسعة رحمته من ظلمة الباطل وأهله " .
ثم بين سبحانه حال الذين اسودت وجوههم وعقابهم بقوله تعالت كلماته:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون
هذا تفصيل لما أشار إليه الإجمال، وفيه بيان العقوبة وسببها، وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106أكفرتم بعد إيمانكم بيان لحالهم، أي أن حالهم حال من يستفهم عنها استفهام إنكار وتعجب فيقال لهم: أكفرتم وجحدتم الحق وأنكرتموه بعد إيمانكم به وإذعانكم، وهذا حقا موضع عجب، كمن يكون في روضة من الرياض فيها النعيم، ويتركها إلى الكفر والجحيم، فهم كانوا في روضة الإيمان، وبتفرق أهوائهم وتنازعهم وعصبيتهم انتقلوا إلى جحيم الكفر، وإذا كانوا كذلك فكفرهم كان كفرا عن علم بالحق وهم لذلك [لا يعذرون]، ولذا ترتب عليه العقاب فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون أي: فادخلوا جهنم وذوقوا مرارة العذاب وآلامه كما ذقتم حلاوة الهوى، وكان ذلك العذاب بسبب استمراركم على الكفر، وموتكم عليه، ودل على الاستمرار التعبير بـ " كنتم " ، فإن " كان " تدل على الاستمرار، وقد استمروا على حال الكفر في أقبح صوره، وهو الكفر بعد الإيمان،
[ ص: 1350 ] وَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ حَالَهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=30349_30351_30532_30539_30564_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ وَالتَّعْبِيرُ عَنِ الْحَقِّ بِالْبَيَاضِ، وَعَنِ الْبَاطِلِ بِالسَّوَادِ، مَجَازٌ عَرَبِيٌّ مَشْهُورٌ، كَوَصْفِ الْحَقِّ بِأَنَّهُ نُورٌ، وَوَصْفِ الْبَاطِلِ بِأَنَّهُ ظَلَامٌ، وَوَصْفِ الْوُجُوهِ بِالْبَيَاضِ مَجَازٌ عَنْ إِشْرَاقِ الْقُلُوبِ بِالْمَعْرِفَةِ، وَامْتِلَائِهَا بِالنُّورِ؛ وَوَصْفِ الْوُجُوهِ بِالسَّوَادِ مَجَازٌ مِنْ إِظْلَامِ الْقُلُوبِ، وَانْطِفَاءِ نُورِهَا، وَلَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ: " الْبَيَاضُ مِنَ النُّورِ، وَالسَّوَادُ مِنَ الظُّلْمَةِ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ نُورِ الْحَقِّ وُسِمَ بِبَيَاضِ اللَّوْنِ وَإِسْفَارِهِ وَإِشْرَاقِهِ وَابْيَضَّتْ صَحِيفَتُهُ، وَأَشْرَقَتْ، وَسَعَى النُّورُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبِيَمِينِهِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ ظُلْمَةِ الْبَاطِلِ وُسِمَ بِسَوَادِ اللَّوْنِ وَكُسُوفِهِ وَكَمَدِهِ، وَاسْوَدَّتْ صَحِيفَتُهُ وَأَظْلَمَتْ، وَأَحَاطَتْ بِهِ الظُّلْمَةُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. نَعُوذُ بِاللَّهِ وَبِسَعَةِ رَحْمَتِهِ مِنْ ظُلْمَةِ الْبَاطِلِ وَأَهْلِهِ " .
ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ حَالَ الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ وَعِقَابَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَتْ كَلِمَاتُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ
هَذَا تَفْصِيلٌ لِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْإِجْمَالُ، وَفِيهِ بَيَانُ الْعُقُوبَةِ وَسَبَبِهَا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ بَيَانٌ لِحَالِهِمْ، أَيْ أَنَّ حَالَهُمْ حَالَ مَنْ يَسْتَفْهِمُ عَنْهَا اسْتِفْهَامَ إِنْكَارٍ وَتَعَجُّبٍ فَيُقَالُ لَهُمْ: أَكَفَرْتُمْ وَجَحَدْتُمُ الْحَقَّ وَأَنْكَرْتُمُوهُ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ بِهِ وَإِذْعَانِكُمْ، وَهَذَا حَقًّا مَوْضِعُ عَجَبٍ، كَمَنْ يَكُونُ فِي رَوْضَةٍ مِنَ الرِّيَاضِ فِيهَا النَّعِيمُ، وَيَتْرُكُهَا إِلَى الْكَفْرِ وَالْجَحِيمِ، فَهُمْ كَانُوا فِي رَوْضَةِ الْإِيمَانِ، وَبِتَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَتَنَازُعِهِمْ وَعَصَبِيَّتِهِمِ انْتَقَلُوا إِلَى جَحِيمِ الْكُفْرِ، وَإِذَا كَانُوا كَذَلِكَ فَكُفْرُهُمْ كَانَ كُفْرًا عَنْ عِلْمٍ بِالْحَقِّ وَهُمْ لِذَلِكَ [لَا يَعْذُرُونَ]، وَلِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْعِقَابُ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أَيْ: فَادْخُلُوا جَهَنَّمَ وَذُوقُوا مَرَارَةَ الْعَذَابِ وَآلَامَهُ كَمَا ذُقْتُمْ حَلَاوَةَ الْهَوَى، وَكَانَ ذَلِكَ الْعَذَابُ بِسَبَبِ اسْتِمْرَارِكُمْ عَلَى الْكُفْرِ، وَمَوْتِكُمْ عَلَيْهِ، وَدَلَّ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ التَّعْبِيرُ بِـ " كُنْتُمْ " ، فَإِنَّ " كَانَ " تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ، وَقَدِ اسْتَمَرُّوا عَلَى حَالِ الْكَفْرِ فِي أَقْبَحِ صُوَرِهِ، وَهُوَ الْكُفْرُ بَعْدَ الْإِيمَانِ،