فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة
الفاء هنا لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي أنهم بسبب ذلك الصبر والاطمئنان نالوا جزاء الدنيا وثوابها بالنصر والغنيمة وجعل كلمة الله تعالى هي العليا، ومكن لهم في الأرض، وبسبب هذا أيضا نالوا حسن ثواب الآخرة، أي: نالوا النعيم المقيم، وجنات عدن، وما فيها مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ونالوا ما هو أعلى من ذلك وهو رضا الله تعالى ثم محبته، وهي أعلى الدرجات، ووصف ثواب الآخرة بالحسن؛ لأنه الثواب الذي لا يعكره معكر، ولا تكليف فيه، ولا مشقة تحتمل في سبيله، فهو حسن بإطلاق، وأما ثواب الدنيا فحسنه إضافي إذ فيه تكليفات ومشقات، إذ الدنيا قد اختلط حلوها بمرها، وسراؤها بضرائها، وشقاؤها براحتها، ولذلك كان ثوابها غير حسن إلا حسنا إضافيا نسبيا، أما ثواب الآخرة فحسن باستمرار وإطلاق " و الله يحب المحسنين " .
ذيل الله سبحانه وتعالى الآية التي تتعلق بالجزاء بأعظم جزاء وهو محبته الكريمة، وأشار إلى أن هؤلاء الربانيين قد استحقوه بسبب إحسانهم وإتقانهم لما عملوا وما جاهدوا فيه، وصبرهم في الشدائد والمكاره، وتلقيهم للأحداث بجنان ثابت وقلب رابط.
وإننا نجد أن الله- تعالى- وصف المؤمنين بثلاث صفات، وكل واحدة منها قد استحقت جزاء، فالوصف الأول أنهم شاكرون، فقال: وسنجزي الشاكرين ؛ لأن والرغبة في الفداء؛ إذ هو الإحساس بحق المنعم فيما أنعم به. الشكر أول أبواب الطاعة،
والوصف الثاني هو الصبر؛ لأن الإيمان الذي هو أول ثمرات الشكر يقتضي ضبط النفس عن أهوائها ومنع الاضطراب في (الصدمات) و الرضا بكل شديدة من [ ص: 1443 ] غير أنين، والصابرون يحبهم الله، والوصف الثالث الإحسان، وهو نتيجة للصبر، وهو أن تكون النفس كلها لله، تراقبه في كل عمل تعمله، وكل قول تقوله، وكأنها ترى الله، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " " وبذلك يكون ممن يحبهم الله، ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربه في العبد الذي يحبه: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك " . إذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها
اللهم إنا ما عملنا عملا نستحق به محبتك، ولكنا مع ذلك نطمع فيها، فإن أعطيتها فبفضلك، وإن منعتها فبحقك، وإنا لنضرع إليك من بعدألا نكون ممن غضبت عليهم وسخطت أعمالهم، إنك غفور رحيم.