nindex.php?page=treesubj&link=29680_30386_30387_30397_30413_30415_30495_30507_32026_34134_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون
* * *
بعد أن أشار سبحانه إلى ما أعد للكافرين ، وهو النار التي وقودها الناس والحجارة التي كانوا يعبدونها ، فتلك حصب جهنم ، وقد أعدت تلك النار للذين يكفرون بالوحدانية وينكرون الرسالة الإلهية ، والعصاة يقيمون فيها بقدر معاصيهم إلا أن يتغمدهم الله تعالى بعفوه وغفرانه ورحمته .
بعد هذا ذكر سبحانه
nindex.php?page=treesubj&link=19863_19881ما أعده للمتقين المؤمنين الذين يعملون الصالحات ، وهكذا يقرن الله ترهيبه بترغيبه ، فهو يرهب أهل الجحود بالإنذار الشديد ليقرع الحق أسماعهم ، بعد أن سلك بهم طريق الحجة والبرهان ، وبيان القسطاس المستقيم ، ولكن إذا لم يدخل إلى قلوبهم كانت العاقبة ما يستقبلهم من عذاب شديد .
[ ص: 168 ] ومن " أشد " العذاب أن يروا مآلهم ، ومآل أهل الإيمان ، فهم بسبب عنادهم معذبون سلبا وإيجابا . . معذبون سلبا بحرمانهم مما جزى به أهل الإيمان من جنات ونعيم ، ومعذبون إيجابا بعذاب الجحيم .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات بشر فعل أمر من التبشير ، وأصله من البشارة ، وأصلها الخبر الذي يجيء المبلغ به فتبدو آثار السرور على بشرته ، فهو الخبر بالأمر الذي يسر ولا يضر ، ويكون أول الخبر بالسرور ، وصاحبه يسمى البشير :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=96فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - هو البشير النذير ، الذي يبشر أهل الحق واليقين ، وينذر أهل الجحود والإنكار .
وقد تطلق على سبيل المجاز كلمة التبشير في مقام التهديد والإنذار كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=24فبشرهم بعذاب أليم ، وهذا على سبيل السخرية والتهكم ، كأنهم يترقبون ما يسرهم ، فيجيء الخبر بما يضرهم ويسمى باسم البشارة تهكما بهم ، وإشارة إلى أن ذلك ما يجب أن ينتظروه ويترقبوه ، والله محيط بهم .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيه إشارة إلى سبب البشارة ، لأن التعبير باسم الموصول دليل على أن الصلة سبب الحكم ، فالإيمان والعمل الصالح هما السبب في البشارة ، أو هما السبب في الجزاء بأن تكون لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، وثمرات الجنة المتشابهة المختلفة الطعوم .
nindex.php?page=treesubj&link=28647والإيمان هو التصديق والإذعان بالقلب ، وأن يصدق المؤمن بكل ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأن يصدق الرسول في كل ما جاء به مذعنا له ، مصدقا بأنه من عند الله تعالى ،
nindex.php?page=treesubj&link=28632والإسلام هو إعلان الإيمان ، والإذعان لأحكام الإسلام ، ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=692778الإسلام علانية ، والإيمان في القلب . . " ولقد حدث في أثناء
[ ص: 169 ] الدعوة المحمدية ، وتبليغ الرسالة ، أن كان بعض الأعراب يعلن اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن القلوب لم تذعن إذعانا كاملا ، ; ولذلك قال الله تعالى عنهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=14قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ولقد روى الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=692778الإسلام علانية والإيمان في القلب . قال : ثم يشير إلى صدره ثلاث مرات ويقول : التقوى ها هنا ، التقوى ها هنا .
ولقد ذكر الله مع الإيمان العمل الصالح ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25الذين آمنوا وعملوا الصالحات والعمل الصالح هو العمل الذي يصلح به الناس وتستقيم جماعتهم ، وتأتلف قلوبهم ، ويكون فيه صلاح الأرض ، ولا يكون فسادهم ، وهو الذي يسوده الإيثار ، فحيث كان وجد الائتلاف ، ومع الائتلاف الخير والقوة ، ولا يكون فيه الأثرة ، فإنها حيث كانت وجدت الفرقة ، ووجد الانقسام وذهبت القوة .
ويشمل العمل الصالح الصلوات والزكوات ، والصيام والحج ، كما يشمل كل خير يقدم للمجتمع ، كما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=911671خير الناس أنفعهم للناس " . ولا شك أن العمل الصالح ثمرة من ثمرات الإيمان الصادق ، والإذعان المطلق لله سبحانه وتعالى ، والطاعة الكاملة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم .
ولكن
nindex.php?page=treesubj&link=28650هل يزيد الإيمان بالعمل الصالح ، وينقص بترك العمل بموجبه وما يقتضيه ويدعو إليه ; وهي قضية يخوض فيها علماء الكلام من حيث إن الإيمان يزيد وينقص أو لا يزيد ولا ينقص ، وأنه حقيقة واحدة ، وهي التصديق والاعتقاد الجازم ، والإذعان المطلق لله ولرسوله ، وتلك لا تزيد ولا تنقص .
ولا نريد أن نخوض في ذلك . ونقول مقررين حقيقتين ثابتتين .
[ ص: 170 ] إحداهما : أنه قد جاء في النصوص القرآنية أن الإيمان يزيد ، فقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=124وإذا ما أنـزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون .
وهكذا نرى في صريح القرآن أن الإيمان يزيد ، وأنه وإن كان أصله الاعتقاد والتصديق ، فإن زيادته تكون بتوثيقه بحيث يكون عميقا لا تزعزعه الرياح ، أو راسيا ثابتا ، كالجبال ، ولا شك أن العمل بموجبه يوثقه ، ويؤكده ، وأن ترك العمل يجعله يجف ، وإن كان لا يموت ولا يذهب وإن الجزاء يكون على الإيمان وللعمل جزاؤه . والحقيقة أنه وردت أحاديث كثيرة تجعل الأعمال من الإيمان ، وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=657059الإيمان بضع وستون أو سبعون بابا أدناها إماطة الأذى عن الطريق ، وأعلاها قول لا إله إلا الله ، والحياء شعبة من الإيمان " .
وإن عد هذه الأعمال من الإيمان على أنها من ثمراته ، ولا مانع من أن تعد الثمرة من الأصل إذا كانت لا تظهر إلا ثمرة له فلا تكون إلا من أصل الإيمان ، فهي من قبيل الاتحاد بين اللازم والملزوم .
ومهما يكن القول في الاتصال بين الإيمان والعمل ، فإن العمل يزكي الإيمان ويقويه ، وهو كالماء ، والغذاء ، يتغذى منه الإيمان ويقوى ، وإن الإيمان من غير عمل يجف ، ولا يكون مثمرا منتجا ، فمن يكون مؤمنا من غير أن يعمل بموجب إيمانه يكون كمن يملك أرضا طيبة ، لا يزرعها ، ولا يثمرها .
ثانيهما : أن المؤمن ، وإن لم يعمل ، خير من الكافر ، وإنه وإن أهمل فقد يعمل ، والله تعالى يجزيه الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها ، وهو خير كله إذا عمل ، واتقى وآثر الحياة الآخرة على الدنيا .
[ ص: 171 ] وإن الجزاء الذي بشر به الذين آمنوا وعملوا الصالحات
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار الجنات الحدائق التي تشتمل على نخيل وأشجار متكاثفة ، حتى تستر الأرض وتجنها ، فهي جنات ، لأنها تستر ما تظله ، والضمير في تجري من تحتها الأنهار ، يعود على أشجارها ، وإن لم تذكر باسمها ، فكلمة جنات متضمنة لها ، إذ لا تتحقق الجنات إلا بأشجار متكاثفة ملتفة ، والجريان للماء ، لا للأنهار ; لأن الأنهار هي ما يشق في الأرض ليجري فيه الماء فهو من إطلاق اسم المحل ، وإرادة الحال ، مثل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=17فليدع ناديه ، وإن الناظر إلى الماء وهو يجري منسابا في الأرض لا يرى النهر ولكن يرى الماء ، فكأن النهر اختفى في الماء ولا يرى غير الماء .
وإن هذه الجنات فيها بهجة للناظرين ، فهي متعة للأنظار ، وبهجة للنفوس بذاتها ، وفيها ثمرات شهية من كل شيء ، وكما قال تعالى في آية أخرى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم .
وإن الثمرات متشابهة في اللون ، وإن كان الطعم في الذوق متغيرا ، وهي دائمة متجددة ، مستمرة لا تمل ولا تسأم بل فيها المتعة المتجددة ; ولذا قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل أي أن هذه الثمرات تجيء إليهم رزقا من الله تعالى من غير جهد يبذلونه ، ولا عمل يعملونه ; ولذلك قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25رزقوا وأكده سبحانه بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25رزقا أي أنه يجيء بأمر الله وإنعامه رزقا حسنا من غير أن يقوموا بمجهود فيها ، فهي دار الجزاء والنعيم ، فإذا كانوا لم يعملوا في الجنات فهو جزاء وفاق لما سبقوا به من عمل صالح ، وإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ، فهو جزاء لمجهود سابق ، وثمرة لإيمان وعمل صالح .
[ ص: 172 ] وهم يقولون : هذا الذي رزقنا من قبل ، وهذا يدل على التجدد المستمر ، ويدل على التشابه في الشكل ، فمعنى النص : هذا الذي رزقناه في الجنة مثل الذي رزقناه من قبل في شكله ، ولكنهم يجدون الطعم متغيرا ، وسبحان خالق كل شيء ; ولذا قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وأتوا به متشابها في شكله ، وإن تغير طعمه .
وهناك فوق متعة الطعام ، والتمكن من كل الخير متعة الأنس بالحياة الزوجية ، ولذا قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25ولهم فيها أزواج مطهرة والأزواج جمع زوج ذكرا كان أو أنثى ، فهي تطلق على المرأة المتزوجة ، كما تطلق على الرجل المتزوج ، وإلحاق التاء بها بالنسبة للمرأة قليل نادر ، ولكنه صحيح ، ولذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر في
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أم المؤمنين عندما أخرجت في واقعة الجمل : " إنها زوجته في الدنيا والآخرة ، ولكنه البلاء " .
ومعنى مطهرة أنها خالية من الدنس النفسي المعنوي والجسدي ، فهن طاهرات مطهرات من كل رجس .
وقد يقول قائل : إن المرأة متعة الرجل في الآخرة ، ونقول إن الجزاء لهما معا ، فلها كل الثمرات التي للرجل ، والأزواج متعة للرجل والمرأة ، فهو متعتها وهي متعته ، إن صح هذا التعبير ; ولذلك صرح القرآن الكريم بأن الجزاء لهما ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض .
وإن ذلك النعيم دائم لا ينغصه توقع زواله ، بل النعمة كاملة بدوامه ، ولذلك قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وهم فيها خالدون هذا ويجب أن ننبه إلى أن نعيم الجنة نعيم مادي
[ ص: 173 ] حسي ; لأن ذلك هو ما تدل عليه الألفاظ ، ولا يصح تأويلها بغير سند من الشرع ، ولا حجة ، ولا دليل ، ولا نؤولها بعقولنا المجردة ، فإن ذلك يعد إنكارا للغيب الذي قرر الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم أن أول صفة من صفات المؤمنين أنهم يؤمنون بالغيب ، وأن فرق ما بين الإيمان والزندقة الإيمان بالغيب .
ولكن ورد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن الألفاظ التي وردت في نعيم الجنة ليست على حقيقتها التي نراها ، فثمراتها ، ورمانها وعسلها ولبنها ، وخمرها ، ليست هي خمرنا ، وأن نعيم الجنة فوق علمنا ، ولكن الله تعالى قرب لنا نعيم الجنة بما يشبهها في استعمالنا ، ولكنها مادية حسية ، ويتحقق بذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=907668فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " .
* * *
nindex.php?page=treesubj&link=29680_30386_30387_30397_30413_30415_30495_30507_32026_34134_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
* * *
بَعْدَ أَنْ أَشَارَ سُبْحَانَهُ إِلَى مَا أُعِدَّ لِلْكَافِرِينَ ، وَهُوَ النَّارُ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا ، فَتِلْكَ حَصَبُ جَهَنَّمَ ، وَقَدْ أُعِدَّتْ تِلْكَ النَّارُ لِلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَيُنْكِرُونَ الرِّسَالَةَ الْإِلَهِيَّةَ ، وَالْعُصَاةُ يُقِيمُونَ فِيهَا بِقَدْرِ مَعَاصِيهِمْ إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِعَفْوِهِ وَغُفْرَانِهِ وَرَحْمَتِهِ .
بَعْدَ هَذَا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ
nindex.php?page=treesubj&link=19863_19881مَا أَعَدَّهُ لِلْمُتَّقِينَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ ، وَهَكَذَا يَقْرِنُ اللَّهُ تَرْهِيبَهُ بِتَرْغِيبِهِ ، فَهُوَ يُرْهِبُ أَهْلَ الْجَحُودِ بِالْإِنْذَارِ الشَّدِيدِ لِيَقْرَعَ الْحَقُّ أَسْمَاعَهُمْ ، بَعْدَ أَنْ سَلَكَ بِهِمْ طَرِيقَ الْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ ، وَبَيَانِ الْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ، وَلَكِنْ إِذَا لَمْ يَدْخُلْ إِلَى قُلُوبِهِمْ كَانَتِ الْعَاقِبَةُ مَا يَسْتَقْبِلُهُمْ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ .
[ ص: 168 ] وَمِنْ " أَشَدِّ " الْعَذَابِ أَنْ يَرَوْا مَآلَهُمْ ، وَمَآلَ أَهْلِ الْإِيمَانِ ، فَهُمْ بِسَبَبِ عِنَادِهِمْ مُعَذَّبُونَ سَلْبًا وَإِيجَابًا . . مُعَذَّبُونَ سَلْبًا بِحِرْمَانِهِمْ مِمَّا جَزَى بِهِ أَهْلَ الْإِيمَانِ مِنْ جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ، وَمُعَذَّبُونَ إِيجَابًا بِعَذَابِ الْجَحِيمِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بَشِّرْ فِعْلُ أَمْرٍ مِنَ التَّبْشِيرِ ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْبِشَارَةِ ، وَأَصْلُهَا الْخَبَرُ الَّذِي يَجِيءُ الْمُبَلِّغَ بِهِ فَتَبْدُو آثَارُ السُّرُورِ عَلَى بَشَرَتِهِ ، فَهُوَ الْخَبَرُ بِالْأَمْرِ الَّذِي يُسِرُّ وَلَا يَضُرُّ ، وَيَكُونُ أَوَّلُ الْخَبَرِ بِالسُّرُورِ ، وَصَاحِبُهُ يُسَمَّى الْبَشِيرَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=96فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْبَشِيرُ النَّذِيرُ ، الَّذِي يُبَشِّرُ أَهْلَ الْحَقِّ وَالْيَقِينِ ، وَيُنْذِرُ أَهْلَ الْجَحُودِ وَالْإِنْكَارِ .
وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ كَلِمَةُ التَّبْشِيرِ فِي مَقَامِ التَّهْدِيدِ وَالْإِنْذَارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=24فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ السُّخْرِيَةِ وَالتَّهَكُّمِ ، كَأَنَّهُمْ يَتَرَقَّبُونَ مَا يَسُرُّهُمْ ، فَيَجِيءُ الْخَبَرُ بِمَا يَضُرُّهُمْ وَيُسَمَّى بَاسِمِ الْبِشَارَةِ تَهَكُّمًا بِهِمْ ، وَإِشَارَةً إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مَا يَجِبُ أَنْ يَنْتَظِرُوهُ وَيَتَرَقَّبُوهُ ، وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِهِمْ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى سَبَبِ الْبِشَارَةِ ، لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِاسْمِ الْمَوْصُولِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصِّلَةَ سَبَبُ الْحُكْمِ ، فَالْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ هُمَّا السَّبَبُ فِي الْبِشَارَةِ ، أَوْ هُمَا السَّبَبُ فِي الْجَزَاءِ بِأَنْ تَكُونَ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ، وَثَمَرَاتُ الْجَنَّةِ الْمُتَشَابِهَةُ الْمُخْتَلِفَةُ الطُّعُومِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28647وَالْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ وَالْإِذْعَانُ بِالْقَلْبِ ، وَأَنْ يُصَدِّقَ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَأَنْ يُصَدِّقَ الرَّسُولُ فِي كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ مُذْعِنًا لَهُ ، مُصَدِّقًا بِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى ،
nindex.php?page=treesubj&link=28632وَالْإِسْلَامُ هُوَ إِعْلَانُ الْإِيمَانِ ، وَالْإِذْعَانُ لِأَحْكَامِ الْإِسْلَامِ ، وَلَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=692778الْإِسْلَامُ عَلَانِيَةٌ ، وَالْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ . . " وَلَقَدْ حَدَثَ فِي أَثْنَاءِ
[ ص: 169 ] الدَّعْوَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ ، وَتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ ، أَنْ كَانَ بَعْضُ الْأَعْرَابِ يُعْلِنُ اتِّبَاعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَلَكِنَّ الْقُلُوبَ لَمْ تُذْعِنْ إِذْعَانًا كَامِلًا ، ; وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=14قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَلَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=692778الْإِسْلَامُ عَلَانِيَةٌ وَالْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ . قَالَ : ثُمَّ يُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَقُولُ : التَّقْوَى هَا هُنَا ، التَّقْوَى هَا هُنَا .
وَلَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ مَعَ الْإِيمَانِ الْعَمَلَ الصَّالِحَ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ الْعَمَلُ الَّذِي يَصْلُحُ بِهِ النَّاسُ وَتَسْتَقِيمُ جَمَاعَتُهُمْ ، وَتَأْتَلِفُ قُلُوبُهُمْ ، وَيَكُونُ فِيهِ صَلَاحُ الْأَرْضِ ، وَلَا يَكُونُ فَسَادُهُمْ ، وَهُوَ الَّذِي يَسُودُهُ الْإِيثَارُ ، فَحَيْثُ كَانَ وُجِدَ الِائْتِلَافُ ، وَمَعَ الِائْتِلَافِ الْخَيْرُ وَالْقُوَّةُ ، وَلَا يَكُونُ فِيهِ الْأَثَرَةُ ، فَإِنَّهَا حَيْثُ كَانَتْ وُجِدَتِ الْفُرْقَةَ ، وَوُجِدَ الِانْقِسَامُ وَذَهَبَتِ الْقُوَّةُ .
وَيَشْمَلُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ الصَّلَوَاتِ وَالزِّكْوَاتِ ، وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ ، كَمَا يَشْمَلُ كُلَّ خَيْرٍ يُقَدَّمُ لِلْمُجْتَمَعِ ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=911671خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ " . وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ الصَّادِقِ ، وَالْإِذْعَانِ الْمُطْلَقِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَالطَّاعَةِ الْكَامِلَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَلَكِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28650هَلْ يَزِيدُ الْإِيمَانُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ ، وَيَنْقُصُ بِتَرْكِ الْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ وَمَا يَقْتَضِيهِ وَيَدْعُو إِلَيْهِ ; وَهِيَ قَضِيَّةٌ يَخُوضُ فِيهَا عُلَمَاءُ الْكَلَامِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ أَوْ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ ، وَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ التَّصْدِيقُ وَالِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ ، وَالْإِذْعَانُ الْمُطْلَقُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ، وَتِلْكَ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ .
وَلَا نُرِيدُ أَنْ نَخُوضَ فِي ذَلِكَ . وَنَقُولُ مُقَرِّرِينَ حَقِيقَتَيْنِ ثَابِتَتَيْنِ .
[ ص: 170 ] إِحْدَاهُمَا : أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي النُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=124وَإِذَا مَا أُنْـزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ .
وَهَكَذَا نَرَى فِي صَرِيحِ الْقُرْآنِ أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ ، وَأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الِاعْتِقَادَ وَالتَّصْدِيقَ ، فَإِنَّ زِيَادَتَهُ تَكُونُ بِتَوْثِيقِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ عَمِيقًا لَا تُزَعْزِعُهُ الرِّيَاحُ ، أَوْ رَاسِيًا ثَابِتًا ، كَالْجِبَالِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَمَلَ بِمُوجِبِهِ يُوَثِّقُهُ ، وَيُؤَكِّدُهُ ، وَأَنَّ تَرْكَ الْعَمَلِ يَجْعَلُهُ يَجِفُّ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمُوتُ وَلَا يَذْهَبُ وَإِنَّ الْجَزَاءَ يَكُونُ عَلَى الْإِيمَانِ وَلِلْعَمَلِ جَزَاؤُهُ . وَالْحَقِيقَةُ أَنَّهُ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تَجْعَلُ الْأَعْمَالَ مِنَ الْإِيمَانِ ، وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنُ مَاجَهْ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=657059الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ أَوْ سَبْعُونَ بَابًا أَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، وَأَعْلَاهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ " .
وَإِنْ عُدَّ هَذِهِ الْأَعْمَالُ مِنَ الْإِيمَانِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ ثَمَرَاتِهِ ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ تُعَدَّ الثَّمَرَةُ مِنَ الْأَصْلِ إِذَا كَانَتْ لَا تَظْهَرُ إِلَّا ثَمَرَةً لَهُ فَلَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ ، فَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الِاتِّحَادِ بَيْنَ اللَّازِمِ وَالْمَلْزُومِ .
وَمَهْمَا يَكُنِ الْقَوْلُ فِي الِاتِّصَالِ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ ، فَإِنَّ الْعَمَلَ يُزَكِّي الْإِيمَانَ وَيُقَوِّيهِ ، وَهُوَ كَالْمَاءِ ، وَالْغِذَاءِ ، يَتَغَذَّى مِنْهُ الْإِيمَانُ وَيَقْوَى ، وَإِنَّ الْإِيمَانَ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ يَجِفُّ ، وَلَا يَكُونُ مُثْمِرًا مُنْتَجًا ، فَمَنْ يَكُونُ مُؤْمِنًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْمَلَ بِمُوجِبِ إِيمَانِهِ يَكُونُ كَمَنْ يَمْلِكُ أَرْضًا طَيِّبَةً ، لَا يَزْرَعُهَا ، وَلَا يُثَمِّرُهَا .
ثَانِيهِمَا : أَنَّ الْمُؤْمِنَ ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ ، خَيْرٌ مِنَ الْكَافِرِ ، وَإِنَّهُ وَإِنْ أَهْمَلَ فَقَدْ يَعْمَلُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَجْزِيهِ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالسَّيِّئَةَ بِمِثْلِهَا ، وَهُوَ خَيْرٌ كُلُّهُ إِذَا عَمِلَ ، وَاتَّقَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا .
[ ص: 171 ] وَإِنَّ الْجَزَاءَ الَّذِي بُشِّرَ بِهِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ الْجَنَّاتُ الْحَدَائِقُ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَى نَخِيلٍ وَأَشْجَارٍ مُتَكَاثِفَةٍ ، حَتَّى تَسْتُرَ الْأَرْضَ وَتُجِنَّهَا ، فَهِيَ جَنَّاتٌ ، لِأَنَّهَا تَسْتُرُ مَا تُظِلُّهُ ، وَالضَّمِيرُ فِي تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ، يَعُودُ عَلَى أَشْجَارِهَا ، وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ بِاسْمِهَا ، فَكَلِمَةُ جَنَّاتٍ مُتَضَمِّنَةٌ لَهَا ، إِذْ لَا تَتَحَقَّقُ الْجَنَّاتُ إِلَّا بِأَشْجَارٍ مُتَكَاثِفَةٍ مُلْتَفَّةٍ ، وَالْجَرَيَانُ لِلْمَاءِ ، لَا لِلْأَنْهَارِ ; لِأَنَّ الْأَنْهَارَ هِيَ مَا يُشَقُّ فِي الْأَرْضِ لِيَجْرِيَ فِيهِ الْمَاءُ فَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ ، وَإِرَادَةِ الْحَالِّ ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=17فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ، وَإِنَّ النَّاظِرَ إِلَى الْمَاءِ وَهُوَ يَجْرِي مُنْسَابًا فِي الْأَرْضِ لَا يَرَى النَّهْرَ وَلَكِنْ يَرَى الْمَاءَ ، فَكَأَنَّ النَّهْرَ اخْتَفَى فِي الْمَاءِ وَلَا يُرَى غَيْرُ الْمَاءِ .
وَإِنَّ هَذِهِ الْجَنَّاتِ فِيهَا بَهْجَةٌ لِلنَّاظِرِينَ ، فَهِيَ مُتْعَةٌ لِلْأَنْظَارِ ، وَبَهْجَةٌ لِلنُّفُوسِ بِذَاتِهَا ، وَفِيهَا ثَمَرَاتٌ شَهِيَّةٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ .
وَإِنَّ الثَّمَرَاتِ مُتَشَابِهَةٌ فِي اللَّوْنِ ، وَإِنْ كَانَ الطَّعْمُ فِي الذَّوْقِ مُتَغَيِّرًا ، وَهِيَ دَائِمَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ ، مُسْتَمِرَّةٌ لَا تُمَلُّ وَلَا تُسْأَمُ بَلْ فِيهَا الْمُتْعَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ ; وَلِذَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ أَيْ أَنَّ هَذِهِ الثَّمَرَاتِ تَجِيءُ إِلَيْهِمْ رِزْقًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ جُهْدٍ يَبْذُلُونَهُ ، وَلَا عَمَلٍ يَعْمَلُونَهُ ; وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25رُزِقُوا وَأَكَّدَهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25رِزْقًا أَيْ أَنَّهُ يَجِيءُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَإِنْعَامِهِ رِزْقًا حَسَنًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُومُوا بِمَجْهُودٍ فِيهَا ، فَهِيَ دَارُ الْجَزَاءِ وَالنَّعِيمِ ، فَإِذَا كَانُوا لَمْ يَعْمَلُوا فِي الْجَنَّاتِ فَهُوَ جَزَاءٌ وِفَاقٌ لِمَا سَبَقُوا بِهِ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ، فَهُوَ جَزَاءٌ لِمَجْهُودٍ سَابِقٍ ، وَثَمَرَةٌ لِإِيمَانٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ .
[ ص: 172 ] وَهُمْ يَقُولُونَ : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّجَدُّدِ الْمُسْتَمِرِّ ، وَيَدُلُّ عَلَى التَّشَابُهِ فِي الشَّكْلِ ، فَمَعْنَى النَّصِّ : هَذَا الَّذِي رُزِقْنَاهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَ الَّذِي رُزِقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ فِي شَكْلِهِ ، وَلَكِنَّهُمْ يَجِدُونَ الطَّعْمَ مُتَغَيِّرًا ، وَسُبْحَانَ خَالِقِ كُلِّ شَيْءٍ ; وَلِذَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا فِي شَكْلِهِ ، وَإِنْ تَغَيُّرَ طَعْمُهُ .
وَهُنَاكَ فَوْقَ مُتْعَةِ الطَّعَامِ ، وَالتَّمَكُّنِ مِنْ كُلِّ الْخَيْرِ مُتْعَةُ الْأُنْسِ بِالْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَالْأَزْوَاجُ جَمْعُ زَوْجٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ، فَهِيَ تُطْلَقُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ ، كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الرَّجُلِ الْمُتَزَوِّجِ ، وَإِلْحَاقُ التَّاءِ بِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ قَلِيلٌ نَادِرٌ ، وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ ، وَلِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَمَا أُخْرِجَتْ فِي وَاقِعَةِ الْجَمَلِ : " إِنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَلَكِنَّهُ الْبَلَاءُ " .
وَمَعْنَى مُطَهَّرَةٍ أَنَّهَا خَالِيَةٌ مِنَ الدَّنَسِ النَّفْسِيِّ الْمَعْنَوِيِّ وَالْجَسَدِيِّ ، فَهُنَّ طَاهِرَاتٌ مُطَهَّرَاتٌ مِنْ كُلِّ رِجْسٍ .
وَقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ : إِنَّ الْمَرْأَةَ مُتْعَةُ الرَّجُلِ فِي الْآخِرَةِ ، وَنَقُولُ إِنَّ الْجَزَاءَ لَهُمَا مَعًا ، فَلَهَا كُلُّ الثَّمَرَاتِ الَّتِي لِلرَّجُلِ ، وَالْأَزْوَاجُ مُتْعَةٌ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ، فَهُوَ مُتْعَتُهَا وَهِيَ مُتْعَتُهُ ، إِنْ صَحَّ هَذَا التَّعْبِيرُ ; وَلِذَلِكَ صَرَّحَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ بِأَنَّ الْجَزَاءَ لَهُمَا ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=194رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=195فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ .
وَإِنَّ ذَلِكَ النَّعِيمَ دَائِمٌ لَا يُنَغِّصُهُ تَوَقُّعُ زَوَالِهِ ، بَلِ النِّعْمَةُ كَامِلَةٌ بِدَوَامِهِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=25وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ هَذَا وَيَجِبُ أَنْ نُنَبِّهَ إِلَى أَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ نَعِيمٌ مَادِّيٌّ
[ ص: 173 ] حِسِّيٌّ ; لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَلْفَاظُ ، وَلَا يَصِحُّ تَأْوِيلُهَا بِغَيْرِ سَنَدٍ مِنَ الشَّرْعِ ، وَلَا حُجَّةٍ ، وَلَا دَلِيلٍ ، وَلَا نُؤَوِّلُهَا بِعُقُولِنَا الْمُجَرَّدَةِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ إِنْكَارًا لِلْغَيْبِ الَّذِي قَرَّرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْحَكِيمِ أَنَّ أَوَّلَ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ، وَأَنَّ فَرْقَ مَا بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالزَّنْدَقَةِ الْإِيمَانُ بِالْغَيْبِ .
وَلَكِنْ وَرَدَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي نَعِيمِ الْجَنَّةِ لَيْسَتْ عَلَى حَقِيقَتِهَا الَّتِي نَرَاهَا ، فَثَمَرَاتُهَا ، وَرُمَّانُهَا وَعَسَلُهَا وَلَبَنُهَا ، وَخَمْرُهَا ، لَيْسَتْ هِيَ خَمْرُنَا ، وَأَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ فَوْقَ عِلْمِنَا ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَّبَ لَنَا نَعِيمَ الْجَنَّةِ بِمَا يُشْبِهُهَا فِي اسْتِعْمَالِنَا ، وَلَكِنَّهَا مَادِّيَّةٌ حِسِّيَّةٌ ، وَيَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=907668فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ " .
* * *