وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنـزل إليكم وما أنـزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا بين سبحانه ما كان من أهل الكتاب، وما كانوا ينزلونه بالمؤمنين، وما يسمعونهم من أذى، كما قال سبحانه: ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا
وفى هذا النص الكريم يبين الله سبحانه باب الرحمة المفتوح لهم، فذكر سبحانه مؤكدا القول بـ " إن " وبـ " اللام " الدالة على القسم اهتداء فريق منهم، وذلك أن هؤلاء المهتدين قد تحلوا بخلال خمس: أولها أنهم يؤمنون أقوى الإيمان وأخلصه، والإيمان يزيل العناد والغطرسة فيطلبون الحق لذات الحق. والثانية أنهم يؤمنون بما أنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يعلموا أنه آخر لبنة في صرح النبوة، وأنه لو كان موسى حيا لآمن بمحمد. والثالثة أن يؤمنوا بحقيقة ما أنزل إليهم، ويعرفوا أن الرؤساء حرفوا الكلم عن مواضعه، وأن يعرفوا أن ما أنزل إليهم أو إلى أسلافهم [ ص: 1560 ] هو ما جاء به محمد مخبرا عنه، والرابعة الخشوع، وهو الخوف من الله- تعالى- مع الضراعة إليه وطلب رضاه دون سواه. والخامسة ألا يؤثروا شيئا على آيات الله تعالى هي أماراته البينات، وقد ذكرت هذه في آخر الآية بقوله سبحانه: لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أي: لا يتركون آيات الله البينة لشرعه ودينه في نظير ثمن هو عرض من أعراض الدنيا فهو قليل مهما يكن كثيرا في نظر الضالين، وهذه الأمور الخمسة يترتب بعضها على بعض، فيترتب على الإيمان الصادق بالله الإيمان بمحمد والإيمان بما نزل على النبيين الصادقين، ويترتب على هذا كله الخشوع، وأولى ثمرات الخشوع ألا يتركوا آيات الله- تعالى- لأي عرض من أعراض الدنيا، هؤلاء ينالون جزاءهم، ولذا قال سبحانه: أولئك لهم أجرهم عند ربهم أي: أولئك المتصفون بهذه الصفات التي تدل على الخلوص لله لهم جزاؤهم عند ربهم، وإنه عاجل لهم في الآخرة، كما أن العذاب لمن لم يؤمنوا عاجل، ولذلك قال سبحانه مؤكدا: " إن الله سريع الحساب " .