(تفسير القرآن بالرواية )
إنه لا شك أن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر مقرر ثابت ; لأن القرآن الكريم بيانه أولا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويجب تحري السنة الصحيحة ، ولا يتبع إلا الصحيح ، بيد أنه في بعض المروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يخالف ما نحسه ونعاينه ، كقول بعض المفسرين معتمدين على بعض الروايات بأن بعض الأنهار تنبع من الجنة وأنها تفيض منها ، مع أنه ثبت بالمعاينة أنها تفيض من سيول في جبال ، أو تنبع من منابع وبحيرات يراها الناس . ومن المقرر أنه إذا كان حديث آحاد بما يثبت العقل أو الرؤيا نقيضه ، يرد حديث الآحاد ، ويثبت بطلان نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك ما يثبت علم علماء الكون خلافه ثبوتا قطعيا بالبرهان القاطع الذي لا يتطرق إليه ريب ، فقد ذكر تفسير القرآن بالرواية أنه إذا كان خبر الآحاد يناقض ما أثبته العلم ثبوتا قطعيا ، ترد نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو يؤول ، وإن النص المناقض قطعيا يؤؤل بما لا يكون بينه وبين العلم القطعي خلاف . الغزالي
وقد أكدنا في عباراتنا أن العلم الذي يؤول النص القطعي ، أو نرد به الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يجب أن يكون علما قطعيا ، لكيلا نغير في النصوص بفروض ونظريات لم تثبت بدليل قطعي ، ولا يلتفت إليها إزاء النصوص ، ولو كانت خبر آحاد ثبتت صحته ; لأنها فروض لم تؤكد بدليل قطعي كنظرية النشوء والارتقاء ، [ ص: 29 ] فإنها فروض لم يثبت صدقها . وإنما الأخبار الصحيحة - أي من حيث السند - التي تكون تفسيرا للقرآن ولا تجوز مخالفتها هي الأخبار التي لا يطعن في صحة متنها ولا تخالف أمرا يقطع العقل بخلافه .
* * *