فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا أي فمن قرابة إبراهيم وذريته وأوليائه الذين جاءوا، من آمن بما جاء به من هدى، وسار على مقتضاه، وانتفع به انتفاعا كليا، أو نهل من موارده العذبة، أو أخذ بقدر ما تقوى عليه نفسه، وهو في ضمن المهديين، ومنهم من أعرض عنه، وإن ذلك المعرض له جزاؤه، وهو جهنم التي تلتهب نارها، وتستعر، فلم يكن من آل إبراهيم وذريته [ ص: 1719 ] مقتضيا أن يصدقوا بالرسائل الإلهية التي نزلت بين ربوعهم وفي أوساطهم، فمن العرب وهم من آل إبراهيم من أشرك بالله وعبد الأوثان، مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو من آل إبراهيم بعث فيهم رحمة للعالمين، وأنتم معشر اليهود كفرتم وكذبتم الرسل من آل إبراهيم وقتلتم بعضهم، ولم ينفعكم أنكم من ذرية إسحاق بن إبراهيم، فلا عبرة بالأنساب، إنما العبرة بالاستجابة للحق، والإيمان به والإذعان لحقائقه.
وهنا بحثان لفظيان: أحدهما: أن صد تستعمل لازمة متعدية، وإذا كانت لازمة فمصدرها الصدود ومعناه الإعراض، وإن كانت متعدية فمصدرها الصد، ومن ذلك قوله تعالى: وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل والنص هنا معناه الإعراض عن الهداية التي جاءت إليهم، فهو من اللازم.
والثاني: قوله تعالى: وكفى بجهنم سعيرا لم يذكر فيها من كانت جهنم كفاية لهم، وهو مفهوم من فحوى الكلام، والمعنى كفاهم أن تكون جهنم بسعيرها ولهيبها مصيرا لهم.
وإن هذا مصير كل كافر سواء أكان من اليهود أم كان من غيرهم؛ ولذا قال سبحانه وتعالى:
* * *