nindex.php?page=treesubj&link=28790_34490_34491_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=72وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=73ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=74فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما [ ص: 1755 ]
* * *
في الآيات السابقات بين الله سبحانه وتعالى دعائم الحكومة الإسلامية الوثيقة الأركان، فذكر لها ثلاثة أوصاف:
أولها: أن تسودها الأمانة في القول والعمل والمال، فلا تقوم حكومة قويمة إلا إذا كانت الأمانة هي السائدة بين الحكام والسائدة بين الشعب، والسائدة في العلاقات بين الشعب والحكومة. فإذا لم تكن الأمانة فسد أمر الحاكم والمحكوم، وضاعت الأمة.
وثانيها: العدل، فهو ميزان الجماعة وميزان الحكم. ولقد كان العدل شعار الإسلام وسيماه ومعناه، فإذا كان لكل دين سمة واضحة فيه، فسمة الإسلام العدل من العدو والولي على سواء. ولا تقوم أمة إذا لم يقم بينها العدل، واحترام الحقوق التي قررها الله تعالى، ومنحها لعباده.
وثالثها:
nindex.php?page=treesubj&link=28803الرجوع إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، واتخاذهما الحكم المرضي للحكومة دائما، لا يأخذ أحد منهما ما يحب ويدع ما لا يحب.
وإنه
nindex.php?page=treesubj&link=28328_28750يجب أن يكون للأمة مجلس للحل والعقد يستشيره الحاكم ويشير عليه، فإن اختلف أهل الحل والعقد، احتكموا إلى كتاب الله تعالى، يشير إلى ذلك قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر [النساء].
[ ص: 1756 ] وفي الآيات السابقة أكد الأمر بطاعة الله تعالى، وبين أن
nindex.php?page=treesubj&link=28750_30491أعلى الدرجات أن يطيع المؤمن الله ورسوله، ولو أمره بأن يتقدم لإعلان الحق والنطق به، وهو يعلم أنه سيقتل.
وإذا تكونت الأمة ذلك التكوين العادل الأمين، تقدمت للدفاع عن نفسها، ولذلك جاء بعده أخذ الأهبة للقتال، فقد قال سبحانه وتعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا يا أيها الذين أذعنوا للحق، واستجابوا لله ولرسوله، خذوا الأهبة بالحذر واتقاء أذى الأعداء، وكونوا متأهبين للقاء دائما، ولا يكون أخذ الحذر والاحتراس بالقعود في الديار، بل بالنفرة والاستعداد لمواجهة الأعداء في الميدان. فعلى المؤمنين أن ينفروا للحرب، جماعة بعد جماعة، تمر بالثغور التي تواجه الأعداء، أو تلاقي من تستطيع لقاءه منهم. أو إذا تكاثف العدو في مكان، وأصبحت لا تكفيه جماعة الجند العامل، فلينفر الجند كله، وليتقدم للميدان بكلكله، وهذا معنى النص الكريم بالإجمال، ولنتجه إلى تحليل بعض العبارات من ناحية اللفظ والمعنى.
وأولى هذه العبارات قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71خذوا حذركم فقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : "إن الحذر والحذر معناهما واحد، ويقال: أخذ حذره إذا تيقظ واحترس. ومعنى خذوا حذركم، أي خذوا ما فيه الاحتياط لكم، ودفع كل مخوف عنكم"، وقد ذكر الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده: "أن من أخذ الحذر تعرف حال البلاد الإسلامية، وتعرف حال بلاد الأعداء، أو من يتوقع منهم الاعتداء، وتعرف بلاد المعاهدين وغيرهم، بحيث إذا اضطروا إلى الحرب كانوا عالمين بمواطن قوتها وأماكن ضعفها". وذكر رضي الله عنه "أنه يدخل في الاستعداد وأخذ الحذر، واتقاء كل مخوف معرفة الأسلحة واستعمالها فإذا كان ذلك يتوقف على معرفة الهندسة والكيمياء والطبيعة وجر الأثقال، فإنه يجب تحصيل ذلك". ولقد قال الإمام هذا في أول هذا القرن الذي يعيش فيه، وهو ألزم في هذا العصر الذي
[ ص: 1757 ] كشف ابن الأرض فيه الفضاء، وصارت الحرب لا تكون بشجاعة الشجعان، بل تكون بالأدوات وغيرها. . ولقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=22لخالد بن الوليد يوم حرب اليمامة: "حاربهم بمثل ما يحاربونك به"! فعلينا أن نعد العدة بمثل ما يعدون، وقد ابتكروا ما يخرب الديار، فعلينا أن نعمل بهذا الابتكار، فإن الشر لا يدفع إلا بمثله. والله من ورائهم محيط.
والثانية في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71فانفروا ثبات أو انفروا جميعا فمعنى انفروا: اخرجوا إلى ميدان القتال أو الحراسة. وقالوا: إن نفر ينفر معناه انزعج وخرج إلى عمل من الأعمال، ومنه قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم [التوبة]، ومصدره النفر أو النفار أو النفير، والأخير قد يطلق بمعنى الجماعة النافرة. وقالوا إن نفر ينفر - معناها انزعج عن الشيء، ومنه النفور من الأمور ونفور الدابة. (وثبات) جمع ثبة، وهي في الأصل ثبية، حذفت الياء، ووزنها فعة، ويقال: ثيبت الجيش، جعلته ثبة ثبة، أي جعلته جماعة متفرقة، كل واحدة لها مقصد خاص، وعمل تقوم به، اقتضاه توزيع القوى.
والنفير جماعة جماعة، هو الحال الدائمة المستمرة، فيجب أن تكون حراسة مستمرة للحدود والثغور، وهي المرابطة، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=200يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون [آل عمران ].
وأما النفير العام فإنما يكون عند قيام الحرب التي لا تكفي فيها كتيبة، أو كتيبتان، أو كالتعبير التاريخي في الإسلام: سرية أو سريتان أو أكثر، بل لا بد من الجيش المحارب كله والأمة من ورائه تؤيده وتؤازره.
ولكن ما المراد من النفير جميعا; أهو الجيش المحارب كله، أم نفير الأمة كلها؟ لا شك أنه إذا لم تغن السرية وجب أن يتقدم الجيش كله، وتقدم الجيش كله هو في معنى نفير الأمة كلها; لأن الأمة عليها أن تكون الجيش المقاتل، تؤازره وتؤيده بالمال والقول والعمل، وتكون من وراء ظهره تدفعه إلى العمل وتحميه من
[ ص: 1758 ] كل خيانة. فإن تكوين جيش مسلح كاف فرض كفاية على كل المسلمين، تأثم الأمة كلها إذا تركت تكوينه. ثم إذا دخل العدو الديار صار الواجب أن ينفر كل قادر من الأمة، وإلا كانت كلها مقصرة، ويكون الخروج فرض عين، وحين ذلك تنفر الأمة كلها حقيقة لا حكما.
إن هذا واجب المخلصين في الأمة، وفي كل أمة معوقون يقولون: هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا! ولذا قال سبحانه:
* * *
nindex.php?page=treesubj&link=28790_34490_34491_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=72وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=73وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=74فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [ ص: 1755 ]
* * *
فِي الْآيَاتِ السَّابِقَاتِ بَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دَعَائِمَ الْحُكُومَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْوَثِيقَةِ الْأَرْكَانِ، فَذَكَرَ لَهَا ثَلَاثَةَ أَوْصَافٍ:
أَوَّلُهَا: أَنْ تَسُودَهَا الْأَمَانَةُ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَالْمَالِ، فَلَا تَقُومُ حُكُومَةٌ قَوِيمَةٌ إِلَّا إِذَا كَانَتِ الْأَمَانَةُ هِيَ السَّائِدَةُ بَيْنَ الْحُكَّامِ وَالسَّائِدَةُ بَيْنَ الشَّعْبِ، وَالسَّائِدَةُ فِي الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ الشَّعْبِ وَالْحُكُومَةِ. فَإِذَا لَمْ تَكُنِ الْأَمَانَةُ فَسَدَ أَمْرُ الْحَاكِمِ وَالْمَحْكُومِ، وَضَاعَتِ الْأُمَّةُ.
وَثَانِيهَا: الْعَدْلُ، فَهُوَ مِيزَانُ الْجَمَاعَةِ وَمِيزَانُ الْحُكْمِ. وَلَقَدْ كَانَ الْعَدْلُ شِعَارَ الْإِسْلَامِ وَسِيمَاهُ وَمَعْنَاهُ، فَإِذَا كَانَ لِكُلِّ دِينٍ سِمَةٌ وَاضِحَةٌ فِيهِ، فَسِمَةُ الْإِسْلَامِ الْعَدْلُ مِنَ الْعَدُوِّ وَالْوَلِيِّ عَلَى سَوَاءٍ. وَلَا تَقُومُ أُمَّةٌ إِذَا لَمْ يَقُمْ بَيْنَهَا الْعَدْلُ، وَاحْتِرَامُ الْحُقُوقِ الَّتِي قَرَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَمَنَحَهَا لِعِبَادِهِ.
وَثَالِثُهَا:
nindex.php?page=treesubj&link=28803الرُّجُوعُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَاتِّخَاذِهِمَا الْحَكَمَ الْمَرْضِيَّ لِلْحُكُومَةِ دَائِمًا، لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُمَا مَا يُحِبُّ وَيَدَعُ مَا لَا يُحِبُّ.
وَإِنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28328_28750يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْأُمَّةِ مَجْلِسٌ لِلْحَلِّ وَالْعَقْدِ يَسْتَشِيرُهُ الْحَاكِمُ وَيُشِيرُ عَلَيْهِ، فَإِنِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، احْتَكَمُوا إِلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النِّسَاءِ].
[ ص: 1756 ] وَفِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ أَكَّدَ الْأَمْرَ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28750_30491أَعْلَى الدَّرَجَاتِ أَنْ يُطِيعَ الْمُؤْمِنُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَتَقَدَّمَ لِإِعْلَانِ الْحَقِّ وَالنُّطْقِ بِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيُقْتَلُ.
وَإِذَا تَكَوَّنَتِ الْأُمَّةُ ذَلِكَ التَّكْوِينَ الْعَادِلَ الْأَمِينَ، تَقَدَّمَتْ لِلدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِهَا، وَلِذَلِكَ جَاءَ بَعْدَهُ أَخْذُ الْأُهْبَةِ لِلْقِتَالِ، فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَذْعَنُوا لِلْحَقِّ، وَاسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، خُذُوا الْأُهْبَةَ بِالْحَذَرِ وَاتِّقَاءِ أَذَى الْأَعْدَاءِ، وَكُونُوا مُتَأَهِّبِينَ لِلِّقَاءٍ دَائِمًا، وَلَا يَكُونُ أَخْذُ الْحَذَرِ وَالِاحْتِرَاسِ بِالْقُعُودِ فِي الدِّيَارِ، بَلْ بِالنَّفْرَةِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِمُوَاجَهَةِ الْأَعْدَاءِ فِي الْمَيْدَانِ. فَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْفِرُوا لِلْحَرْبِ، جَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَةٍ، تَمُرُّ بِالثُّغُورِ الَّتِي تُوَاجِهُ الْأَعْدَاءَ، أَوْ تُلَاقِي مَنْ تَسْتَطِيعُ لِقَاءَهُ مِنْهُمْ. أَوْ إِذَا تَكَاثَفَ الْعَدُوُّ فِي مَكَانٍ، وَأَصْبَحَتْ لَا تَكْفِيهِ جَمَاعَةُ الْجُنْدِ الْعَامِلِ، فَلْيَنْفِرِ الْجُنْدُ كُلُّهُ، وَلْيَتَقَدَّمْ لِلْمَيْدَانِ بِكَلْكَلِهِ، وَهَذَا مَعْنَى النَّصِّ الْكَرِيمِ بِالْإِجْمَالِ، وَلْنَتَّجِهْ إِلَى تَحْلِيلِ بَعْضِ الْعِبَارَاتِ مِنْ نَاحِيَةِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى.
وَأُولَى هَذِهِ الْعِبَارَاتِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71خُذُوا حِذْرَكُمْ فَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : "إِنَّ الْحِذْرَ وَالْحَذَرَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَيُقَالُ: أَخَذَ حِذْرَهُ إِذَا تَيَقَّظَ وَاحْتَرَسَ. وَمَعْنَى خُذُوا حِذْرَكُمْ، أَيْ خُذُوا مَا فِيهِ الِاحْتِيَاطُ لَكُمْ، وَدَفْعُ كُلِّ مُخَوِّفٍ عَنْكُمْ"، وَقَدْ ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ عَبْدُهُ: "أَنَّ مِنْ أَخْذِ الْحَذَرِ تَعَرُّفَ حَالِ الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَتَعَرُّفَ حَالِ بِلَادِ الْأَعْدَاءِ، أَوْ مَنْ يُتَوَقَّعُ مِنْهُمُ الِاعْتِدَاءُ، وَتَعَرُّفَ بِلَادِ الْمُعَاهِدِينَ وَغَيْرِهِمْ، بِحَيْثُ إِذَا اضْطُرُّوا إِلَى الْحَرْبِ كَانُوا عَالِمِينَ بِمَوَاطِنِ قُوَّتِهَا وَأَمَاكِنِ ضَعْفِهَا". وَذَكَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الِاسْتِعْدَادِ وَأَخْذِ الْحَذَرِ، وَاتِّقَاءِ كُلِّ مُخَوِّفٍ مَعْرِفَةُ الْأَسْلِحَةِ وَاسْتِعْمَالُهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْهَنْدَسَةِ وَالْكِيمْيَاءِ وَالطَّبِيعَةِ وَجَرِّ الْأَثْقَالِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ تَحْصِيلُ ذَلِكَ". وَلَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ هَذَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْقَرْنِ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ، وَهُوَ أَلْزَمُ فِي هَذَا الْعَصْرِ الَّذِي
[ ص: 1757 ] كَشَفَ ابْنُ الْأَرْضِ فِيهِ الْفَضَاءَ، وَصَارَتِ الْحَرْبُ لَا تَكُونُ بِشَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ، بَلْ تَكُونُ بِالْأَدَوَاتِ وَغَيْرِهَا. . وَلَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=22لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يَوْمَ حَرْبِ الْيَمَامَةِ: "حَارِبْهُمْ بِمِثْلِ مَا يُحَارِبُونَكَ بِهِ"! فَعَلَيْنَا أَنْ نُعِدَّ الْعُدَّةَ بِمِثْلِ مَا يُعِدُّونَ، وَقَدِ ابْتَكَرُوا مَا يُخَرِّبُ الدِّيَارَ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَعْمَلَ بِهَذَا الِابْتِكَارِ، فَإِنَّ الشَّرَّ لَا يُدْفَعُ إِلَّا بِمِثْلِهِ. وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ.
وَالثَّانِيَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=71فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا فَمَعْنَى انْفَرُوا: اخْرُجُوا إِلَى مَيْدَانِ الْقِتَالِ أَوِ الْحِرَاسَةِ. وَقَالُوا: إِنَّ نَفَرَ يَنْفُرُ مَعْنَاهُ انْزَعَجَ وَخَرَجَ إِلَى عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ [التَّوْبَةِ]، وَمَصْدَرُهُ النَّفْرُ أَوِ النِّفَارُ أَوِ النَّفِيرُ، وَالْأَخِيرُ قَدْ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْجَمَاعَةِ النَّافِرَةِ. وَقَالُوا إِنَّ نَفَرَ يَنْفُرُ - مَعْنَاهَا انْزَعَجَ عَنِ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ النُّفُورُ مِنَ الْأُمُورِ وَنُفُورُ الدَّابَّةِ. (وَثُبَاتٍ) جُمَعُ ثُبَةٍ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ ثُبَيَّةٌ، حُذِفَتِ الْيَاءُ، وَوَزْنُهَا فُعَةٌ، وَيُقَالُ: ثَيَّبْتُ الْجَيْشَ، جَعَلْتُهُ ثُبَةً ثُبَةً، أَيْ جَعَلْتُهُ جَمَاعَةً مُتَفَرِّقَةً، كُلُّ وَاحِدَةٍ لَهَا مَقْصِدٌ خَاصٌّ، وَعَمَلٌ تَقُومُ بِهِ، اقْتَضَاهُ تَوْزِيعُ الْقُوَى.
وَالنَّفِيرُ جَمَاعَةً جَمَاعَةً، هُوَ الْحَالُ الدَّائِمَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ حِرَاسَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ لِلْحُدُودِ وَالثُّغُورِ، وَهِيَ الْمُرَابَطَةُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=200يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آلِ عِمْرَانَ ].
وَأَمَّا النَّفِيرُ الْعَامُّ فَإِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ قِيَامِ الْحَرْبِ الَّتِي لَا تَكْفِي فِيهَا كَتِيبَةٌ، أَوْ كَتِيبَتَانِ، أَوْ كَالتَّعْبِيرِ التَّارِيخِيِّ فِي الْإِسْلَامِ: سَرِيَّةٌ أَوْ سَرِيَّتَانِ أَوْ أَكْثَرُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْجَيْشِ الْمُحَارِبِ كُلِّهِ وَالْأُمَّةُ مِنْ وَرَائِهِ تُؤَيِّدُهُ وَتُؤَازِرُهُ.
وَلَكِنْ مَا الْمُرَادُ مِنَ النَّفِيرِ جَمِيعًا; أَهُوَ الْجَيْشُ الْمُحَارِبُ كُلُّهُ، أَمْ نَفِيرُ الْأُمَّةِ كُلِّهَا؟ لَا شَكَّ أَنَّهُ إِذَا لَمْ تُغْنِ السَّرِيَّةُ وَجَبَ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْجَيْشُ كُلُّهُ، وَتَقَدُّمُ الْجَيْشِ كُلِّهِ هُوَ فِي مَعْنَى نَفِيرِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا; لِأَنَّ الْأُمَّةَ عَلَيْهَا أَنْ تُكَوِّنَ الْجَيْشَ الْمُقَاتِلَ، تُؤَازِرُهُ وَتُؤَيِّدُهُ بِالْمَالِ وَالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَتَكُونُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ تَدْفَعُهُ إِلَى الْعَمَلِ وَتَحْمِيهِ مِنْ
[ ص: 1758 ] كُلِّ خِيَانَةٍ. فَإِنَّ تَكْوِينَ جَيْشٍ مُسَلَّحٍ كَافٍ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى كُلِّ الْمُسْلِمِينَ، تَأْثَمُ الْأُمَّةُ كُلُّهَا إِذَا تَرَكَتْ تَكْوِينَهُ. ثُمَّ إِذَا دَخَلَ الْعَدُوُّ الدِّيَارَ صَارَ الْوَاجِبُ أَنْ يَنْفِرَ كُلُّ قَادِرٍ مِنَ الْأُمَّةِ، وَإِلَّا كَانَتْ كُلُّهَا مُقَصِّرَةً، وَيَكُونُ الْخُرُوجُ فَرْضَ عَيْنٍ، وَحِينَ ذَلِكَ تَنْفِرُ الْأُمَّةُ كُلُّهَا حَقِيقَةً لَا حُكْمًا.
إِنَّ هَذَا وَاجِبُ الْمُخْلِصِينَ فِي الْأُمَّةِ، وَفِي كُلِّ أُمَّةٍ مُعَوِّقُونَ يَقُولُونَ: هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا! وَلِذَا قَالَ سُبْحَانَهُ:
* * *